نجيب الخنيزي
نظم الفلسطينيون في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي مناطق الشتات في العالم، مسيرات وفعاليات مختلفة بمناسبة مرور 100 عام على صدور وعد بلفور، مطالبين الحكومة البريطانية بالاعتذار عن تلك الجريمة التاريخية التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني، غير أن الحكومة البريطانية رفضت الاعتذار، بل وأعلنت على لسان وزير الخارجية جونسون قوله «إنني فخور بدور بريطانيا في إنشاء إسرائيل، وسوف تحيي حكومة جلالة الملكة مئوية وعد بلفور الخميس بهذه الروح، ويشارك رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو شخصيا في الاحتفالات بهذه المناسبة، وقد رد الجانب الفلسطيني بأنه سيقاضي الحكومة البريطانية لدى المنظمات الحقوقية الدولية.
وعد بلفور هو تعهد وزير الخارجية البريطاني السابق آرثر جيمس بلفور في خطاب شهير في 2 نوفمبر 1917 موجه إلى المصرفي اليهودي الشهير اللورد روتشيلد جاء فيه، يسرني أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته بالتصريح التالي « إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل قصارى جهدها لتحقيق هذه الغاية»، وجرى أول لقاء بين حاييم وايزمان، زعيم الحركة الصهيونية لاحقا، وبلفور عام 1904 وتناولت موضوع إقامة وطن لليهود في فلسطين، وهو ما مهد لقيام إسرائيل في عام 1948 على يد العصابات الصهيونية على 78% من فلسطين، والتي ارتكبت جرائم مروعة من قتل وتهجير وتدمير ومصادرة للمنازل والقرى طال مئات الآلاف من الفلسطينيين. ثم استكملت إسرائيل سيطرتها على باقي الأراضي الفلسطينية وأراض عربية أخرى إثر عدوان يونيو 1967.
إذا نحن أمام حالتين وأيدلوجيتين على طرفي نقيض، فالمشروع الصهيوني هو مشروع توسع وهيمنة بامتياز منذ البداية، قد تتغير الأساليب والتكتيكات بحكم الظروف وميزان القوى الإقليمي والدولي، ولكن الهدف الاستراتيجي يظل ثابتاً من حيث الجوهر وبغض من هو الذي يتربع على دفة الحكم في إسرائيل.
فهل ننسى أن حزب العمل هو من أرسى دعائم قيام دولة إسرائيل وتحت قيادته شنت الحروب العدوانية المتتالية ضد العرب، وهو من رفع شعار تكسير عظام شيوخ ونساء وأطفال ورجال الانتفاضة (إسحاق رابين) وفي ظل حكمه شنت عملية عناقيد الغضب (شمعون بيريز) وما رافقها من مجازر (قانا) رهيبة.
الواقع الراهن هو في مصلحة إسرائيل على جميع المستويات والأصعدة خصوصاً في ظل الدعم والمساندة غير المحدودة التي تتلقاها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وحالة التداعي والضعف والانقسام والاختراق للجسم العربي، واستفراد إسرائيل في تحديد مستوى وطبيعة التفاوض مع الجانب الفلسطيني، وفي ظل غياب إرادة دولية (وأمريكية بالتحديد) فاعلة لإعادة تنشيط خيار التسوية الذي ارتضاه العرب كخيار استراتيجي يقوم على أسس واضحة من الحق والعدل (في حده الأدنى المقبول).
هنالك من يحاول التنظير والتبرير لمنطق الهزيمة سواء من داخل الدائرة الفلسطينية أومن داخل الدائرة العربية (حكومات ونخب) من منطلق الواقعية السياسية، وبأن التسوية والحلول الجزئية المطروحة يجب القبول بها لأنها نتاج موازين القوى والتي تصب في صالح المنتصر وبالتالي ليس أمام المهزوم سوى الانصياع لإرادة الغالب.
وهذا المنطق لا يلغي حق الشعوب من أجل الحرية والعدالة والاستقلال الوطني.
إن تجميد عملية السلام أفضل ألف مرة من رهن حاضر ومستقبل الأمة للمجهول، غير أن ذلك لا يعني بأي حال القبول بشعار كل شيء أو لا شيء، فهذا منطق قديم تجاوزته الحياة والواقع.
من الواضح بأن الشعارين والخيارين المتعارضين وهما شعار وخيار إسرائيل الكبرى الممتدة من النيل وحتى الفرات الذي وضعته الصهيونية وسعت إلى تحقيق من جهة، وخيار استرداد كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر الذي رفعه الفلسطينيون والعرب قد وصلا إلى طريق مسدود. للحديث صلة.