د. خيرية السقاف
يقولون إن التعليم في المدرسة ينفصل عن التربية في مراحلها الأولى!!..
فإذن ما رسالة «طابور الصباح»؟ وتعليم المسالك, والتدريب عليها: أوليس من التربية ما يتبع مع طالب العلم الصغير في المدرسة ليتحلى بمسلك سليم في الفصل, وفي الساحة, وفي مكتب القيادي, وعند الوقوف الاستثنائي معه من قبل أحدهم , ويطلب إليه في الفصل أن يرفع الاصبع بصمت حين يُلقى عليه, أو يطرأ له سؤال , أو يرغب هو في إجابة, ويوجه لعدم السقوط على الزميل حين يكون دوره في الإدلاء, وأن يمحو اللوح بعد انتهاء الغرض مما فيه, ويرمي ما في المبراة في سلة النفايات وسواه من البقايا, وتنسيق, ونظافة كتبه, ودفاتره, والعناية بنفسه, كذلك العناية بترتيب الهندام, ونظافته, وانتقاء ما يلفظ من كلمات وقولها في وقتها, ومناسبتها, ورفض البذاءة , و الشغب, حتى قرع أي باب قبل الدخول برفق, وطلب الإذن عند الخروج بذوق, واحترام الأكبر تقدما في السير, وعند حضوره وقوفا في الفصل, وتوقيره حين التقاء, وكل مفردات قائمة ما هو ضمن تعليم السلوك, وتوظيفه؟!
حتى الإحساس يُربى ضمن مكونات التعليم, كما يُعلم السلوكُ ضمن نسيج التربية, حتى الذكاء يدرب ,ويشحذ هناك, معا معا, تكوينا وإعدادا شاملا لا يأتيه قصور, ولا يعطله فصل بين مكوناته..
وتتسع المدرسة الابتدائية لأن تمزج بين غايتين في التخطيط لأهدافها «التعليم والتربية», فكل ما يتعلمه الصغير هو معرفة , والمعرفة أس التربية, كما أن محاصيلها هي ثمار المعرفة, فما هو إذن دور التعليم في المراحل الأولى..؟
إنه أي هذا الخليط الممتزج, الذي يرمي إلى تكوين القدرة الإدراكية للتمييز منطلقِ كفاءةِ وعيه هذا الصغير الذي يكبر, الذي تُغرس بذور وعيه في هذه المرحلة, وتُوجَّه مداركه, وتؤسس مفاهيمه, فيكون مؤهلا للفصل فيما بعد بين ما تنفرد به المراحل الأعلى تدرجا من غايات, لتختص كلما تقدمت بموضوعات ما تعلمه من خبرات, ومعارف, وتتيح له التعلم الأوسع على بينة منه, ورغبة فيه, وحماس إليه, مطردا مع مراحل عمره, متسقا مع نمو مداركه, واتساع معارفه, وأساساته المكونة قبلا.. يومها يكون لمؤسسة التعليم دور التعليم فقط, وفي هذا يكون عليها التنافس الفعال في واجباتها.
المدرسة في المراحل الابتدائية والمتوسطة هي للتعليم والتربية في آن.. ولا تصبح المدارس للتعليم فقط إلا بعد أن يستوي طالب العلم بمكوّنه الشامل, واثقا يتقدم هذا الإنسان لحياته, ومضاميرها العديدة بما شكلت عليه قواعده الأخلاقية, والنفسية, والوجدانية, والإدراكية في تأسيسها المتوازن.
مدرسة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام أعظم المدارس في الحياة ولنا فيها خير نموذج..
وإلا ما العلم الذي سيقدم وحده مفرغا من موضوعات التربية السلوكية, والخلقية, والفكرية
في مدارس المراحل الأولى للغرس بأنواعه؟!..
وإلا لماذا تكون العلاقة بين البيت والمدرسة مسؤولية, و تكون لها أولية, وأهمية في خطط مؤسسات التعليم.
تلك المسؤولية المشتركة بينهما, التي تدرجا ينتفي وجودها كلما تقدمت المراحل؟!
في ضوء أن التعليم العالي طبيعة هو مؤسسة تعليمية أيضا, لكنها تختلف تماما عما قبلها, وتنفصل.!!.