جاسر عبدالعزيز الجاسر
قبل أن يتم القضاء تماماً على تنظيم داعش الإرهابي، وإنهاء وجوده في العراق وسورية، بدأت القوى -وحتى الدول- التي تسعى للحلول محل التنظيم في السيطرة على المدن والمواقع، في صراع للحصول على «التركة»، ومثلما يتصارع الورثة على اقتسام التركة والمريض «ينازع» وهو على وشك الموت يتصارع الفرقاء المحليون والإقليميون والدوليون على اقتسام غنيمة «ممتلكات» داعش سواء في العراق أو في سورية.
في الأشهر الماضية كثر الحديث عن مرحلة ما بعد داعش، وكان المحللون والخبراء الإستراتيجيون يتحدثون عن القوى التي ستحل محل التنظيم الإرهابي الذي كان يسيطر على محافظات مهمة في العراق وسورية، كوَّن منها ما سُمي بـ»الدولة الإسلامية في العراق والشام».
ويظهر أن القوى الدولية والإقليمية استبقت القضاء تماماً على داعش فبدأت «العراك» والصدام للحصول على «تركته»، إذ دفعت ممثليها والقوى المحلية للتحرك ووضع يدها على تركة داعش.
الأطراف الدولية والإقليمية المتورطة في مسألة ظهور تنظيم داعش وضحت تماماً، لا سيما بعد النتائج التي حققها ظهور داعش وصعوده المفاجئ والقوي، والذي جعل كلاً من أمريكا وروسيا وإيران اللاعبين الرئيسين، الذين يعملون الآن على رسم خارطة النفوذ الجديدة في المنطقة، ويخوضون صراعاً شرساً فيما بينهم، بل وحتى بين حلفائهم المحليين.
الأكراد في العراق يشتكون من تخلي الأمريكيين عنهم في عملية الاستفتاء التي أوصلت الأكراد إلى نهاية مدمرة، إذ يوشك حلمهم «حلم الدولة الكردية» أن يندثر بعد الإجراءات الصارمة التي أخذت حكومة العراق المركزية في بغداد تفرضها على إقليم كردستان، ويتوقع المتابعون أن يحصل صدام سياسي أو «عتب» وجفاء بين نظام بشار الأسد ومعه ملالي إيران والمليشيات الطائفية التي تسعى للحصول على تركة داعش وتعزيز الحكم العلوي الطائفي من جهة، وبين روسيا الاتحادية التي تعمل على تأكيد دورها الدولي القيادي وإنهاء الأزمة السورية بنتائج تعزز مصالحها، وتجعل منها الدولة الأولى في سورية، قاطعة الطريق على إيران التي يعمل ملالي إيران ومليشياتها الطائفية على جعل سورية ركناً أساسياً من إمبراطوريتها السياسية.
أمريكا هي الأخرى لديها لاعبها المحلي في سورية، فعن طريق ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية» تعمل أمريكا على أن تكون شريكاً يحصل على الحصة الأكبر من تركة داعش، من خلال تمكين الأكراد من السيطرة على محافظات دير الزور والحسكة والرقة وصولاً إلى حمرين، مما يجعلهم يسيطرون على الشمال السوري.
وهكذا يتصارع من أوجدوا داعش لحصد نتاج أعمالها، ولكي تتم القسمة يفتعل الفرقاء الدوليون والإقليميون والمحليون المشكلات والأزمات، والتي ستستمر حتى الوصول إلى توافق لتقسيم النفوذ والسيطرة على القطرين العربيين.