ناصر الصِرامي
كثيرة طرائف وغرائب ما يسمى بفترة «الصحوة»، فقد كانت «غفلة» و»غفوة» طويلة وقاسية، وتجهيلاً كاملاً وتغييبًا مطلقًا عن المحيط القريب، وعن العالم، استغفال واستغلال كامل للمجتمع ولأجيال بكل الاعمار والموارد وعلى مختلف المستويات...!
حقبة استمرت لأكثر من ثلاثة عقود، غيب فيها العقل والعلم والمنطق والإِنسان، وأوقف التطور الاجتماعي والفكري.اليوم ونحن نسمع أو نستعرض قصصها المضحكة المبكية، التي تسبب حرقة لكل من عايشها أو حتى يمكن له تخيلها، يصيبنا الدور في محاولة فهم كيف غطت سحابة سوداء قاتمة وكثيفة على أبسط حدود الوعي الممكنة؟!، كيف سلبت أجيال واستسلمت شعوب وقبائل لذلك الطغيان اللا فكري واللا إِنساني..؟!، وكيف حرمت أجيال وأجيال بقسوة ورعونة من فرص الحياة، وفرص التجربة، وفرص المعرفة والانعتاق..؟، كيف حوربت عقول؟ وكفرت أنفس؟
أسئلة لها أن تتكاثر إلى اللا نهايات، ولها أن تولد وجعًا بعد آخر، وإحساسًا بظلم امتد لأجيال ثلاثة، وآثارها لأكثر من ذلك. هنا يمكننا أن نتنافس في رص كل علامات التعجب والاستفهام، والاستنكار كذلك، إلا أن ذلك كله لن يفيد الآن، إلا في سياقات الدراسات والأبحاث والتحليل، وهو أمر سيحدث ولا شك بطبيعة الأمور.
لكن الأهم الآن أننا نغادر - ولله الحمد والمنة- شعبيًا ورسميًا مرحلة الغفلة والغفوة تلك، فقد انقشعت الغمة عن الأمة، هكذا أصبحنا نتنفس هواء نقيًا، ونعود لحياة طبيعية، بعد حركة «الصحوة» البعيدة عن الإسلام بتعاليمه السمحة ووسطيته واعتداله التي انتشر في المنطقة بعد عام 1979، نعود للأصول الطبيعية: «فلم نكن بهذا الشكل في السابق، نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، إلى الإسلام المنفتح على جميع الأديان والتقاليد والشعوب»، أعلنها الأمير محمد بن سلمان بحزم ووعي وعزم.
طمأن الأجيال الحالية والتالية وأنزل السكينة على الأمة السعودية: «لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة، سوف ندمرهم اليوم، لأننا نريد أن نعيش حياة طبيعية تترجم مبادئ ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة، ونتعايش مع العالم ونسهم في تنمية وطننا والعالم». وهذا قسم لو تعلمون جميل وعظيم وصارم.
وهو رهان المرحلة والمستقبل دون وجود للقاعدة وتنظيم الإخوان والنصرة وداعش وغيرها، يكرره سمو ولي العهد، لفتح آفاق أرحب لوطن لا مكان له إلا الرفعة والقيادة، حيث يرسم الأمير مشهدًا مهمًا، ويضع توضيحات لا تقبل الجدل على الإطلاق يؤكد فيه أن الدولة هي صاحبة الأمر، وليس أحزابًا أو جماعات أو إخوانًا، مهمًا احتموا بخطاب الدين والتدين زيفًا، ذلك الخطاب الذي ظل من بدايات الثمانينيات ينافس الدولة، ويستفز صبرها وقوتها، ويستبزها في المواقف المصيرية للوطن..!
لكن كما نقول دائمًا فإن القيادة السعودية ترصد كل شيء باستمرار، ولديها نفس وصبر، بل صبر طويل، وحبالها أطول، لكن في اللحظة الحاسمة تضرب، وهذا ما يفعله اليوم سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حين أوجز الموقف بالقول: «اتخذنا خطوات واضحة في الفترة الماضية بهذا الشأن، وسوف نقضي على بقايا التطرف في القريب العاجل، ولا أعتقد أن هذا يشكل تحديًا، فنحن نمثل القيم السمحة والمعتدلة والصحيحة، والحق معنا في كل ما نواجه»، هذه ملامح السعودية الجديدة والصحوة الفعلية، صحوة حقيقة يدشنها الأمير، مع الوعي بالحلم، الوعي بالمستقبل.. والبقاء والريادة فيه.. لبلد يستحق الأفضل دائمًا..