يوسف المحيميد
في إحدى أشهر قاعات الجاليري في العاصمة الرياض، انتهى معرض لأحد الفنانين السعوديين، تضمّن ثلاثين لوحة عبارة عن تشكيلات تكعيبية عن الخيول، قدمها بطريقة جديدة، وإن تكررت في تنويعاتها، فلم تُحجز أي لوحة، ولم يُبع منها شيء أبدًا، ليعود الفنان بلوحاته كلها إلى المنزل، وكأنما لم يختلف وضعنا الفني عما كنا عليه قبل خمسين عامًا، حينما تجرأ الممثل والفنان التشكيلي الراحل عبد العزيز الحماد في إقامة أول معرض له في المنطقة الشرقية، فلم يحضره أحد، سوى مندوب محافظ المنطقة الذي أبلغه اعتذار المحافظ عن الحضور لافتتاح المعرض، فطلب من المندوب أن يفتتحه، وأصبح وحده هو الجمهور مع الفنان المصاب بخيبة كبيرة!
السؤال هنا، هل خيبة هذا الفنان الذي اختتم معرضه الأسبوع الماضي دونما اهتمام واقتناء، تشبه خيبة الفنان الحماد؟ لا أعتقد ذلك، لأنّ الفنان هنا كان شريكًا في عدم جذب الاهتمام والاقتناء، بسبب أسعار لوحاته الباهظة، فالسوق الفني مثل غيره من الأسواق، يحكمه العرض والطلب، وليس ما صرفه الفنان من وقت على لوحته، فقد يقضي أياماً وشهوراً على عمل غير جذاب، فضلاً عن أنّ الطلب على اللوحات الفنية يُعد ضعيفًا قياساً بالعرض، كما يقول الفنان علي الرزيزاء حينما سُئل عن سوق الفن، فأجاب فورًا وبلا تردد: كاسدة!
بعيداً عن هذا المعرض، لدينا مشكلة كبيرة في الفن لا تختلف عن الكتابة، فكل من يرسم بالزيت والإكريلك على قماش الكانفاس يعتقد أنه أصبح فناناً، وله الحق بوضع أرقامٍ فلكية على لوحاته الأولى، كمن يكتب عمله الأول ويعتقد أنّ الناشرين يتهافتون عليه، علينا أن نتواضع في تقدير إنتاجنا، ونترك للآخرين تقييم ذلك، فأصحاب قاعات الجاليري والمستشارون لديهم، هم الأكثر قدرة على وضع الأسعار المناسبة للوحات، دون مبالغة ولا تقليل من قيمة الفنان وأعماله.
في نظري أنّ معيار النجاح لأي معرض فني تشكيلي، هو الأصداء حوله وجذب الأنظار، وكتابة النقاد عن التجربة، والاقتناء من لوحاته، أما ما عدا ذلك فلا جدوى منه، كأن (يداوم) الفنان في معرضه طوال الوقت، ويملأ مواقع التواصل الاجتماعي بابتساماته مع أصدقائه المجاملين ولوحاته الحزينة. أجزم أنّ الفنان بحاجة إلى مدير أعمال محترف يمتلك وعياً نقدياً، ليبني تجربة الفنان خطوة خطوة في طريق طويل وشائك.