ياسر صالح البهيجان
مثّلت ظاهرة «الصحوة» بادئ الأمر تحولاً إصلاحيًا دينيًا يهدف إلى إيجاد توازن بين التغيرات الاجتماعية والرؤية الدينية المحافظة، وظلت مشروعًا مجتمعيًا يحمل مضامين النهضة والانطلاق في فهم الحياة المعاصرة، من منظور ديني متسامح يؤمن بأنّ الشريعة متصالحة بالضرورة مع متطلبات الحياة، لذا كانت حركة شعبية مرنة غير خاضعة للأدلجة والتنظيم المعقّد، ولم تشكل أي تهديد بالعنف والتطرف والإقصاء، ولاقت آنذاك ترحيبًا واسعًا من مؤسسات الدولة كافة، بل حظيت بالمباركة من قِبل الجهات الدينية الرسمية؛ لاتسامها بالاعتدال والحكمة.
لكن الحراك الصحوي أخذ يتبلور بوصفه حراكًا عنيفًا، بعد أن تصدّر المشهد شخصيات حملت أيديولوجيات متطرفة، واستطاعت أن تمارس نوعًا من الخداع لركوب موجة التأييد المجتمعي، وبدأت بفرض الوصاية المقيتة ضد المجتمع، والاعتقاد بأنّ الحق معها وحدها وأنّ ما سواها باطل، واتجهت لتحقيق رؤيتها الضيقة بالقوة والقمع والتخويف، واستغلال عواطف الناس بحجة أنها تدافع عن الدين وتسعى لحمايته.
ظاهرة الصحوة تشوّهت منذ أن تحوّلت من حالة شعبية طبيعية إلى تنظيم له أجنداته وأهدافه، يحمل رغبة الهيمنة والاستحواذ على صناعة القرار في المجتمع، أي أن يتحول إلى سلطة تتجاوز صلاحيات الدولة، وتحدد كيف يفكر الناس، وكيف يعيشون، وإلى أين عليهم أن يذهبوا، وما كان لهذا أن يحدث لولا تسلُّق تنظيمات متشددة على مفهوم الصحوة، وصبغها بألوان قاتمة تنسجم مع مشاريعهم الظلامية.
الصحوة عندما استلبت من التنظيمات المتطرفة فقدت طابعها الإصلاحي وتحوّلت إلى مشروع سياسي خفي، يسعى إلى تقويض أنظمة الحكم، وشق صف المجتمع الواحد، وتمزيقه إلى فئات وطوائف، في ظل طغيان خطاب التكفير والتفسيق والتخوين، ومحاولة استغلال المنابر للتحريض على العنف والقتل، وكانت تمثل فرصة سانحة لأعداء الوطن في الداخل والخارج من أجل توظيفها لزعزعة الاستقرار والأمن.