علي الخزيم
تناول العريس بكل سرور وبابتسامة عريضة مظروفا يحوي هدية (عانية) أحد الأصدقاء؛ وزادت ابتسامته عندما وجدها ريالين فقط وحسبها مزحة عابرة، غير أن وجهه قد قطَّب وتحولت تعابيره إلى ما يشي بفعل عكسي منتظر، ذلكم أنه وجد برفقتها ورقة دوَّن عليها صاحبه: هذا قدرك عندي، فكانت قضية لدى المحكمة، ولا أعرف كيف تصنف المحاكم مثل هذه القضايا؟! أما أنا فأصنفها ضمن سوء الأدب وركاكة الأخلاق، وضعف الحيلة عند المُهدي؛ لأن في نفسه شيئاً تجاه صاحبه عجز عن مواجهته به سوى بهذه الطريقة الدونية التي تعبر عن تدني مستوى تفكيره وضحالة مفاهيمه للعلاقات الإنسانية لا سيما مع الأهل والأقارب والأصدقاء، فالمشكلات والخلافات لا تعالج بمثل هذه الطريقة الفجَّة.
ومساعدة العريس العينية والمادية (العانية) هي عادة اجتماعية قديمة متوارثة، كانت الحاجة لها قائمة بأزمنة مضت إلى حد أن البعض يراها واجبة وليس من المروءة التخلي عنها والتقصير بواجب العريس، إلا أن تبدل الأحوال المعيشية للمجتمع -ولله الحمد- جعلتها أمراً من الماضي ولا يلزم بها أحد، ومن قدمها بمبادرة منه لا تعني اقتفاء الآخرين أثره، وكثير ممن يقدمون الهدايا للعرسان الآن يفضلون عدم إعلانها وإشهارها بين المدعوين والأقارب فهي تمثل علاقة بين شخصين ليس من الضروري إطلاع الآخرين على مضامينها.
ومما شاهدته في هذا الاتجاه كان في فرح لأحد الأصدقاء إذ وقف رجل يعتمر بشتاً وبجانبه شاب يحمل صندوقاً صغيراً، وطلب من الجميع السكوت والإنصات ثم ألقى كلمة عبر خلالها بأن العريس صديق عزيز ولذلك فهو أمامنا يقدم له هذه الهدية، وشعرت من خطابه كأنه يشهدنا وانتظرت أن يطلب منا التوقيع بالعلم، وحينها تذكرت ذلكم الشاب الذي وقف أمامنا في عرس آخر ورفع أمام الحضور مبلغاً قليلاً من المال ولوح به بكل اتجاه ثم سلمه للعريس، سألت من بجانبي باستغراب: ألم تلاحظ ان العريس لم يمتعض! قال: هي عادة عندهم بأوساطهم، والعيب أن لا تقدم شيئاً، وأبشع ما اطلعت عليه من هذه القصص (وعرفت فاعلها) الشاب الذي قدم للعريس شيكاً بمبلغ من المال كهدية وإعانة زواج، وبعد أشهر أحضر له استدعاء من المحكمة فقد رفع ضده قضية مطالبة بالمال بحجة عدم السداد، ولم أر دناءة تضاهي هذا التصرف غير دناءات الذين يتَّخذون من حفلاتهم وأعراسهم وسيلة للنكاية ببعض الأقارب والأصدقاء، والتشفي منهم بسبب مواقف سابقة، أو مشكلات عابرة، أو لبيان مدى وقدر قيمتهم عندهم للتقليل من شأنهم (بزعم) احتقارهم بطريقة ممجوجة وكأن عدم دعوتهم للفرح ستحرمهم من مكاسب دنيوية وآخروية، فكل هذه الطرق تُعد من وسائل العاجزين عن الكمال، الموتورين المأزومين نفسياً، فمن أسمى القيم الإنسانية المشاركة والتفاعل بمناسبات الأعراس والأفراح بأنفس طيبة مُحِبَّة وتناسي كل ما يكدر الترابط وعلاقات الصداقة، بل من الأسمى جعل هذه المناسبات حقولاً لإخصاب المشاعر وإضاءة الأفئدة بمشاعل الحب والوئام، وتطهير الأنفس من أوضار الأحقاد (وهذه عند الهمم العالية فقط).