د. عبدالحق عزوزي
كما كان منتظراً صادقت الحكومة الإسبانية مؤخراً على تفعيل الفصل 155 من الدستور بهدف «استعادة النظام الدستوري» بمنطقة كتالونيا.
وأكد السيد ماريانو راخوي رئيس الحكومة المركزية الإسبانية خلال ندوة صحفية عقدها في ختام أشغال هذا الاجتماع الطارئ لمجلس الوزراء أننا «نطبق الفصل 155 من الدستور لأنه لا يمكن لأية حكومة في بلد ديموقراطي أن تقبل أن يتم تجاهل أو خرق أو تغيير القانون وأن يتم كل هذا برغبة وإرادة تحاول فرض معاييرها الخاصة على الآخرين».
ونعلم أن إسبانيا تعتمد نظاماً لا مركزياً واسعاً، حيث يمنح الدستور الذي أقر في العام 1977 الأقاليم الـ17 في البلاد والمعروفة بـ»المناطق المستقلة» سلطات واسعة في مجالات متعددة، لكنه ينص على ضمانات تتيح للحكومة المركزية التدخل مباشرة في شؤون إحدى هذه المناطق عند مرورها بأزمة.
وفي إطار أزمة كاتالونيا وهي الأخطر منذ دخول البلاد في مصاف الدول الديمقراطية مه نهاية حكم فرانكو، اعتبرت المحكمة الدستورية أن «استفتاء تقرير المصير» الذي نظم في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر مخالف للدستور. أما الانفصاليون فهم يؤكدون من جهتهم أنهم فازوا مع تأييد 90.18% من الأصوات وبإمكانهم بالتالي إصدار «إعلان أحادي للاستقلال».
لجأت الحكومة إذن إلى المادة 155 من الدستور. ويتيح هذا البند الذي لم يتم تفعيله من قبل «اتخاذ الإجراءات اللازمة لحمل (المنطقة المعنية) على احترام الالتزامات» التي يفرضها الدستور أو غيرها من القوانين «مع موافقة بالغالبية المطلقة لمجلس الشيوخ».
وأوضح ماريانو راخوي أن هذا القرار يسعى إلى تحقيق أربعة أهداف أساسية وهي «العودة إلى الشرعية واستعادة الوضع الطبيعي والتعايش اللذين تدهورا بكتالونيا بالإضافة إلى مواصلة إنعاش الوضع الاقتصادي الذي يواجه خطراً كبيراً بهذه المنطقة إلى جانب تنظيم انتخابات جهوية».
وتقوم الحكومة الإسبانية في هاته الأيام بحزمة من الإجراءات كالدعوة إلى إجراء انتخابات جهوية بإقليم كتالونيا وإقالة رئيس الحكومة المحلية لإقليم كتالونيا ونائبه وكذا المستشارين (الوزراء) مشيراً إلى أن ممارسة المهام والوظائف التي يضطلع بها هؤلاء المسؤولون ستشرف عليها الهيئات والمؤسسات التي ستعينها الحكومة المركزية.
العديد من المحللين كانوا يتساءلون عن مصير كارلس بيغديمونت الرئيس المقال لإقليم كاتالونيا الإسباني، ومتزعم حركة الانفصال هاته، إلى أن وجد في مدينة بروكسيل البلجيكية هاته الأيام... وإلى حدود كتابة هاته الأسطر فإن محاميه أكد أن موكله يرفض الامتثال لدعوة القضاء الإسباني بالمثول أمامه في مدريد الخميس. وقد اقترح المحامي أن يتم استجواب بيغديمونت من بلجيكا التي يتواجد فيها على أنها عاصمة مؤسسات الاتحاد الأوروبي. وقانونيا وفي حال لم يمثل بيغديمونت (54 عاما) وباقي المطلوبين في القضية أمام المحكمة، فبإمكان المدعين الإسبان إصدار أمر بتوقيفهم. وفي حال كانوا خارج البلاد، فيمكن أن تتبع ذلك مذكرة اعتقال دولية.
المهم أن الدولة المركزية تدخلت وأن شبح الانفصال الذي كان قاب قوسين أو أدنى من التحقق أوقفه تطبيق المادة 155 من الدستور، ولكن هل ذلك مؤذن بنهاية هذا المسلسل؟ لا أظن؛ لأن المشكل أولا وقبل كل شيء هو مواطناتي قبل أن يكون سياسيا أو اقتصاديا. فماذا لو كانت جهة كاتالونيا فقيرة؟ لا أظن أن أحدا كان سينادي بالاستقلال. ومن هنا يمكن القول بأن الدولة الإسبانية على غرار العديد من الدول الأوروبية فشلت في تعميم قواعد المواطنة، وكونت جيلا همه مصالحه الضيقة، ولا تهمه إطلاقاً مصلحة الجماعة ولا الدولة الأم. أما الدولة/ المركز، فلها نظارات مغايرة وعليها تحقيق مفهوم كلمة السياسة، وهاته الكلمة محصورة في ثلاثة اتجاهات لا أكثر، وهي التي جاءت بها المدرسة الأنغلوساكسونية وسطرها فحول العلوم السياسية وجمعوها في كتب معتمدة: فهم يميزون بين السياسي (polity) و(politics) أي السياسة وكلمة policy أي سياسة، وإذا توقفنا عند كلمة السياسي فسنرى أنها توحي إلى السلطة السياسية، أي حكومة الناخبين داخل المجال السياسي العام، أي جموعة من الميكانزمات التي تبلور وحدة وديمومة الحقل الاجتماعي... فالدولة لا يمكنها أن تقوم إذن إلا على مسألتي الوحدة وديمومة المؤسسات، وهذا درس لكل الدول التي لا تقوم بحزمة من الإجراءات التربوية والتعليمية والقهرية منذ البداية في حق مواطنيها وأقاليمها قبل أن يتهافت المتهافتون ضعاف النفوس ويطالبون بالاستقلال عن الدولة الأم.