أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: من مميزاتِ الطريقة الشَّاذِليَّةِ في قوانينِهم التي اختلقوها؛ وجعلوها بديلاً من شرع الله النور المبين: التوبةُ؛ وهي نقطة انطلاق المريد أو السالك إلى الله؛ ثم الإخلاص؛ وينقسم لديهم إلى قسمين: (إخلاص الصادقين، وإخلاص الصِّدِّيقين)، ثم النية؛ وتُعَدُّ أساسَ الأعمالِ والأخلاق والعبادات، ثم الخلوة؛ أي اعتزالُ الناس؛ فهذا من أسس التربية الصوفية.. وفي الطريقة الشاذلية يدخل المريد الخلوة لمدة ثلاثة أيام قبل سلوك الطريق، ثم يَشْرَعُ في الذكر؛ والأصل فيه ذكر الله، ثم الأوراد، وقراءة الأحزاب المختلفة في الليل والنهار.. والذكر المشهور لدى الشاذلية هو ذكر الاسم المفرد لله أو الْمُضْمَرُ!!؛ وهو (هُوْ هُوْ)؛!!.. ثُمَّ (أُوْ أُوْ؛ وحسبنا الله ونعم الوكيل)، ثمَّ الزهد؛ وللزهد تعاريفُ متعددةٌ عند الصوفية منها: فراغ القلب مما سوى الله؛ وهذا هو زهد العارفين؛ وهو أيضاً الزهد في الحلال وترك الحرام، ثم النفس؛ وقد ركَّزت الشاذليةُ على أحوالٍ للنفس سعياً منهم لتزكيتها؛ وهي النفسُ مركزُ الطاعات إن زَكَتْ واتَّقت، والنفس مركزُ الشهوات في المخالفات، والنفس مركز الميل إلى الراحات، والنفس مركز العجز في أداء الواجبات، ثم الورع؛ وهو العمل لله، وبالله على البيِّنة الواضحة والبصيرة الكامنة، ثم التوكل؛ وهو صرف القلب عن كل شيءٍ إلا الله، ثم الرضى؛ وهو رضى الله عن العبد؛ ثم المحبة، وهي في تعريفهم سفر القلب في طلب المحبوب، ولَهَجُ اللسانِ بذكره على الدوام.. وللحب درجات لدى الشاذلية، وأعلى درجاته ما وصفَتْه رابعة العدوية بقولها:
أُحِبُّك حُبَّين: حُبَّ الهوى
وحُبّْاً لأَ نَّك أهل لذاك
ثم الذوق؛ وهو تلقِّي الأرواحَ للأسرارِ الطاهرة في الكرامات وخوارق العادات؛ ويعدُّونه طريقَ الإيمان بالله والقرب منه والعبودية له؛ ولذلك فَضَّلَ الصوفيةُ العلومَ التي تأتي عن طريق الذوق على العلوم الشرعية من الفقه والأصول وغير ذلك؛ ولهذا قالوا: علم الأذواق لا علم الأوراق؛ وقالوا: إنَّ علم الأحوال يتم عن طريق الذوق، ويتفرّع منه علوم الوجد والعشق والشوق، ثم علم اليقين؛ وهو معرفةُ الله معرفةً يقينية؛ ولا يحصل هذا إلا عن طريق الذوق، أو العلم الَّلدُنِّيْ أو الكشف.. إلخ.. ثم السماع؛ وهو سماعُ الأناشيد والأشعار الغزلية الصوفية؛ وقد نُقِل عن أحد أعلام التصوف قوله: ((الصوفي هو الذي سمع السماع وآثره على الأسباب))، ونقل الشعراني عن الحارث المحاسبي قولَه: ((مما يتمتع به الفقراء سماعُ الصوتِ الحسن))؛ لأنَّه من أسرار الله في الوجود؛ ولقد أفرد كُتَّاب التصوف للسماع أبواباً منفصلة في مؤلفاتهم؛ لما له من أهمية خاصة عندهم.
قال أبو عبدالرحمن: هؤلاء هم الأغيارْ عند اليهود الذين يرعَوْنَهم برعايتهم التصوف؛ والأغيارُ هي المرادِفُ لكلمة (الجوييم)؛ وفي تشريع (الحاخامات) في بعضِ أجزاءِ التلمودِ الدَّعْوَةُ إلى قَتْلِ الغريب ولو كان من أحسن الناس خُلُقاً !!.. وعلى هذا الظُّلمِ الْعُدْوانيِّ الصارِخِ بُنِيَتْ العنصريةُ؛ فالعربيُّ عندهم على وجه العموم والفلسطيني على وجه الخصوص مِن الأغيار حتى يُصْبِحَ بلا ملامِحَ أو قسمات؛ وفي وعد (بلفور) الذي ترعاه اليوم كلُّ قُوَى الظُّلْمِ العالمي: أنَّ الجماعات غير يهودية هم الأغيار.. ومبادِؤُ التَّنْظِيم في أرض الاحتلال الصهيونيِّ: اقتصادٌ يهوديٌّ مغلقٌّ ، ذو دولةِ يهودية لا تضم أَيَّ أحدٍ من الْأَغيار؛ وفي أهمِّ المؤسسات الصهيونية: (الهستدروت، والحركة التعاونية، والجامعات): تَبَلْوَرَ التصورُ الْعِبْرِيّ العنصريُّ الصهيوني.
قال أبو عبدالرحمن: كلُّ طريدٍ من أولئك الصوفِيَّةُ تُتْلى عليه آياتُ الله في كتابه الكريم، وفي سُنَّةِ المصطفى، وسيرةِ السَّلَفِ ذوي الاتِّباعِ بإحسان كمالكٍ والشافِعيِّ.. إلخ رضي الله عنهم: فإذا لكلِّ طريدٍ يجيبُ بهذا الوصف العبقريِّ لابن قيم الجوزيةِ رحمه الله تعالى:
ويقول قلبي قال لي عن سِرِّهِ
عن حضرتي عن فِكْرتي عن خَلوتي
عن صَفْوِ وَقْتي عن حقيقة مَشْهدي
دَعْوىً إذا حقَّقْتها أَلفَيْتَها
عن سِرِّ سِرِّي عن صفا أحوالِي
عن شاهدي عن واردي عن حالي
عن سِرِّ ذاتي عن صفاتِ فِعالي
ألقابَ زورٍ لُفِّقَتْ بمُحالِ
.. وههنا طريد آخرُ؛ وهو عمرو النصرانيُّ ، وقد تَغَنَّى أبو القاسم مُدْرِكُ بن محمد الشيبانيُّ بجماله؛ فبلغ مُنْتَهى الْقُبْحَ في الوثَنِيةِ إذْ قال:
مَا أبصَرَ الناسُ جَميعاً بَدْرَاً
أحسَنَ مِن عمروٍ فدَيتُ عمراً
هَا أنَا ذَا بِقَدِّهِ مَقدُودُ
مَا ضرّ مَن فَقدي بهِ مَوْجُودُ
إنْ كانَ دِيني عِندَهُ الإسلامُ
وَاختَلَّتِ الصَّلاةُ وَالصِّيَامُ
يَا لَيْتَنِي كُنْتُ لَهُ صَلِيبَاً
أُبْصِرُ حُسْناً وَأشمُّ طِيبا
بَلْ لَيْتَني كُنتُ لَهُ قُرْبانَا
أوْ جَاثَلِيقا كُنتُ أوْ مُطْرَانَا
بَلْ لَيْتني كنتُ لعمروٍ مُصْحَفَا
أوْ قَلَماً يَكتُبُ بي مَا ألّفَا
بَلْ لَيْتَني كنتُ لعمروٍ عُوذَهْ
وَلا رَأوْا شَمساً وَغُصْناً نَضْرَاً
ظَبيٌ بعَيْنَيهِ سَقَانِيَ الخَمْرَا
وَالدّمعُ في خَدّي لَهُ أُخْدُودُ
لَوْ لَمْ يُقَبِّحْ فِعْلَهُ الصُّدُوْدُ
فَقَدْ سَعَتْ في نَقْضِهِ الآثَامُ
وَجَازَ في الدِّينِ له الْحَرَامُ
أكُونُ مِنْهُ أبَداً قَرِيباً
لا وَاشِياً أخْشَى وَلا رَقِيبَاً
ألْثِمُ مِنْهُ الثّغْرَ وَالْبَنَانَا
كَيْمَا يَرَى الطَّاعةَ لي إيمَانَاً
يَقرَأُ مِني كُلّ يَوْمٍ أحرُفا
مِنْ أدَبٍ مُسْتَحسَنٍ قَد صُنّفَا
أوْ حُلّةً يَلبَسُهَا مَقذُوذَهْ
.. إلخ.. إلخ؛ والجاثليق مُتَقَدِّم الأساقِفةِ، والْمَقْذُوْذَةُ المقطوعَةُ بالقدِّ.. وإلى لقاءٍ إنْ شاء الله تعالى في السبتِ القادِم مع تحليقاتٍ وِجْدانِية تستريحون بها من هذه الرِّدَّةِ الشاذِلِيَّةِ والرِّعايةِ الصهيونية الآثمة، والله المُستعانُ.