فهد بن جليد
في برشلونة الإسبانية فقد جون بي وظيفته بسبب إفراطه الزائد في العمل وأداء واجباته اليومية بجدية واجتهاد، فهو يحضر قبل جميع زملائه وقبل بدء وقت الدوام الرسمي في متجر ليدل، ويخرج بعد انتهاء الوقت المحدد لوجود بعض المهام الإضافية التي ينبري لإنجازها، وعندما طالب بأجر إضافي من مديره تم طرده، بحجة أنَّه جدي في العمل أكثر من المطلوب، بل إنَّ القضاء لم ينصفه هذا الأسبوع، وأصبح جون عاطلاً بسبب هذه الجدية المفرطة في أداء مهامه.
بينال باتيل هو الآخر لم يكن أحسن حظاً من سابقه، فهو لا يتسطيع الاستمرار في وظيفته كمحلل للبيانات في ولاية نورث الأمريكية، بعد عامين اجتهد فيهما أكثر من المطلوب ليعمل نحو 12 ساعة يومياً، ولكن العمل زاد عليه من قبل رئيسه, فهو الوحيد القادر على الإنجاز والإتقان أكثر من الآخرين، الرجل أصيب بأمراض وأعراض نفسية كالتوتر والإجهاد الشديد, المشاكل بدأت تتفاقم بين باتيل وزملائه ومديره لأنَّه خفف من حماسه، واتهم بالتكاسل لأنَّه ببساطة بدأ نشيطاً ثم تراجع ليصبح كالآخرين.
مرض (الكاروشي القاتل) الذي يعني الموت المفاجئ بسبب الإفراط في العمل بجدية، ما زال يخيف اليابانيين الذين تنتشر بينهم هذه الثقافة الجادة في تنفيذ الأعمال والمهام اليومية بصرامة كبيرة، حتى إن وكالة الأنباء الفرنسية نشرت مسحاً ميدانياً يفيد بأنَّ خُمس الموظفين هناك معرضون للوفاة بالسكتة القلبية بسبب هذه الجدية، مما دعا الحكومة للعمل على تخفيف هذه الضغوط وإدخال شيء من الترفيه في العمل، خصوصاً بعد وفاة الشابة اليابانية ميوا سادو نتيجة إفراطها في العمل لساعات طويلة متواصلة، قدرت بـ159 ساعة إضافية في الشهر، قبل أن تحصل على إجازة يومين توفيت خلالهما. المؤسسات الناجحة الكبرى في العالم تحاول خلق أجواء مرحة لموظفيها أثناء العمل، لتضمن استمرارية العمل وتدفقه بسلاسة, مع جودة الأداء فيه، دون توتر أو ضرر على موظفيها، علماء الإدارة الحديثة يتسابقون على اقتراح طرق إضافة روح المرح والتسلية في العمل، ديف هيمسات و ليزلي يركبس اقترحا في أشهر كتب المرح أثناء العمل (301 طريقة) لذلك، تعمل بها الآن العديد من المنظمات والشركات الناجحة.
في بعض دول شرق آسيا عليك ألا تستغرب وأنت تستقل التاكسي عندما تجد السائق يتابع مسلسلاً أو مباراة مثيرة في الشاشة أمامه -وأنتما في الطريق إلى وجهتك- الأنظمة المرورية وجدت أنَّ لذلك أثراً على زيادة التركيز أثناء القيادة وليس العكس، هناك مفاهيم عديدة يجب علينا مراجعتها من حولنا.
وعلى دروب الخير نلتقي.