د. خيرية السقاف
حيث تنكشف الأخطاء, وتُرفع اللُّثم في أي مؤسسة وإنْ كانت بين شخصين, يكون على الراعي المسؤول أن يتصدى لتصويبها, فإنْ تراكمت صعُب حلُّها, وإنْ أُعِين في الوصول إلى مخابئها, فمبادرته لقضها, وعلاجها تكون من أول واجباته..
ولقد كثرت الأخطاء في مؤسسات المجتمع بعامة, وأصبح من الأهمية بمكان أن تُسن القوانين, وتوضع الخطط, وتولى الرقابة بادرتها, والمتابعة مصباحَها, والتقصي بصيرتَه, والتحصيل دقّتَـه, والتفنيد طوقَه, ومن ثم الإجراء الحازم في حدها, ومنعها, بل بترها, والقضاء على منابعها, ومعاقبة منفذيها..
على سبيل الراهن, منذ زمن طويل, ومؤسسة التعليم بحاجة ماسة إلى نفض كامل, إذ يذكر كثير من المنتمين إليها وجود أخطاء قد تصل إلى مستوى عالٍ من التأثير السالب في تعطيل مساراتها المستقيمة, وتعريجها نحو اتجاهات ليست أساساً اتجاهاتها, في جوانب من اختصاصاتها, أو في ميدان تنفيذها, أو مع عناصر الأداء فيها, مستدلين بوقائع, أو مصرحين بأدلة..
والجميع بلا ريب يؤكد أنّ هذه المؤسسة لها وقارها, وقد قدمت منذ تأسيسها ما ساعد على محو الأمية بالنسبة المعتمدة في تقاريرها, واتسعت في كل بلدة, وقرية, ومدينة, وضاحية في حاضرة الوطن, وباديته, وتخرّج فيها الأجيال العديدة, ويعمل في الوطن من أبنائها من عُوِّل عليه, وارتفع ساق المجتمع به, لكنها تبقى متعثرة في جوانب عديدة , على الأقل أنها لم تبلغ في ناتجها البشري ما تحصده مؤسسات التعليم في اليابان على سبيل المثل أو ألمانيا, وظل داخلها غبار متراكم ربما تصلّد لأخطاء مختلفة يكون من شأنها الإفساد المؤثر في واجباتها, ومنهجية إداراتها, وكفاءة اختيار ثلل من مُكلَّفيها بمختلف مجالاتها, وتطوير التعليم فيها خططاً, وموضوعات, ومحتوى, وعناصر تدريس, وطرائق تدريس, ووسائله, وأنشطته, وأساليب تقويمه, ومكونات دافعيته وتناميه , وحاجتها لمواكبة مستدامة للتطورات العالمية التي لا تزال تراوح بين أن تقدم نحوها قدماً, وأن تؤخر الأخرى...
وقد كتبت في هذا عشرات المقالات, والصحف مطويات بسطورها!!..
مع ذلك فإنّ في تفاصيل مماثلة حسب الاختصاص هذا يحدث في مؤسسات الإعلام, والمؤسسات الصحفية, والعمل , والعمال, والشأن الاجتماعي, والمحاكم, والمؤسسة الوالدية المحضن الأول, والمجتمع الثقافي, والبحثي, وأمانات المدن, وسوق العقار, والمال, والمهن المختلفة, بما فيها مؤسسات الخدمات العامة, والبلديات..
لا براءة تامة لمكان فيه بشر من شيء من الأخطاء, لكنها تتفاوت في نوعها, وحجمها, ومستواها, ومدى آثارها, وحجم مخلّفاتها, ومردوداتها, وما هو تأثيرها في الحقوق, والواجبات باختلاف عناصرها, وموادها.
فحيث يكون الإنسان تكون الأخطاء, وهي تتفاوت نادرة بمدى كفاءته, ودائمة بقدر قصوره, وبحجم ارتكابه لها..
لذا أقيم للفساد مرجع نظامي، يسعى لمكافحته, ويحرص على تتبُّع منابعه, والكشف عنه, ووضعه بين يديْ الحكم..
ويُتوخى من كل راعٍ أن يشرح صدره لمن يهدي إليه عيوباً في مؤسسته, وأن يسعى لمزيد كشفها, وتطهير نبعها, ومد يد الشكر لمن يفعل معه هذا..
فعمر بن الخطاب، الخليفة الجليل بمهابته، وحنكته, وضربه بيد من قوة على أي فساد في عهده, لم يتردد البتة وهو يقول: «أصابت امرأة وأخطأ عمر»..
والمعروف أنّ الرعاة يتبادلون الدور في مسؤولياتهم, فيوماً أحدهم, ويوماً آخر هم, إذ لم يُخلَّد أحد فوق مقعده, فما يكون مما يُكتشف من أخطاء سابقة, يدرك العاقل أنها لا تُحسب على من يلي, وإنما تكون ذات أوَّليَّة في مهام عمله هذا الذي أتى, فإن أهْديَ إليها شكر, وعمل, وطهَّـر, وإن لم يُهدَ إليها سعى إليها فكشف بخططه الذكية عنها, وتدبر في أمرها, ثم يفعل فيطهر مؤسسته منها, يقيم للنزاهة قواعد, ويؤسس للعدالة سقفاً..
فالحقيقة تقول: «كلكم راعٍ, وكلكم مسؤول عن رعيته»!!..