د.خالد بن صالح المنيف
كان طبيبًا بارزًا محبًّا لعمله لولا وجود بعض الحالات الطارئة والتي يستدعى لها ليلًا، فكان أنكر صوت يسمعه هو رنين الهاتف ليلًا والذي يعني أن ثمة مشكلة في المستشفى تنتظره... جلس هذا الطبيب مع نفسه متأملاً في هذا الأمر فاهتدى لوسيلة ظريفة يخفف بها متاعبه، حيث قرر أن يعطي نفسه علامة بعد كل مناوبة ليلية، وحال اكتملت ثلاث درجات فإنه يكافئ نفسه بكتاب جميل تمنى قراءته أو حضور فيلم تاقت نفسه لمشاهدته!
وبالفعل شرع في تطبيق هذه الفكرة الظريفة، فتحولت رنات التلفون إلى سيمفونية تطربه وأصبح يذهب إلى المناوبات بنفس منشرحة وروح محلقة.. ويذكر أن أحدهم زار الدكتور إبراهيم الفقي بعدما حصل على شهادة الدكتوراه فوجد خلف مكتبه باقة من الورد من أجمل ما يمكن . فسأله عن مهديها ؟ فقدم له الدكتور البطاقة المعلَّق في أعلى الباقة وقد كُتب فيها : (سعادة الدكتور إبراهيم، أسعدني حصولك على شهادة الدكتوراه، وأهدي لك تلك الباقة احتفاءً وفرحًا بهذه المناسبة الجميلة ... المرسل محبك د. إبراهيم الفقي!!!)
عزَّ من يكافئه فلم يجد إلا أن يكافئ نفسه!!
موقف شخصي :
وقد طبقت هذه الإستراتيجية عندما طلب مني تقديم دورة لم يسبق لي تقديمها من قبل وفي وقت جدًّا ضيق، وكنت على وشك الاعتذار لولا أني اهتديت لإستراتيجية مكافأة النفس، وكانت نفسي تتلهف إلى تناول وجبة عشاء في أحد أرقى مطاعم الرياض كمكافأة لها عند انتهائي من تقديم الدورة، وبالفعل خططت للموضوع وبدأت في جمع المراجع ووضع الخطوط العريضة، وكانت صورة العشاء الفاخر والمطعم والإنارة الخفيفة، حاضرة في وعيي محفزة على العطاء ومولدة للجهد، ثم أكملت الإعداد ووفقت في تقديمها بشكل لم أكن أتوقعه، وبعد الانتهاء توجهت مباشرة لهذا المطعم محاطاً بمشاعر الإنجاز الجميلة.
رحلة للأعماق :
يقال: إن للإنسان ثلاثة ذوات هي: ذات (الوالد) وذات (الناضج) وذات (الطفل)، وكل ذات لها دور أساسي بحيث تعمل الذوات الثلاثة بشكل متناغم لصنع حياة سعيدة .
فذات الوالد: هي صاحبة الآراء المتزنة الحذرة، وهي التي تدعوك دائماً للمحافظة على صلاتك والاهتمام بصحتك وتوفير المال وصلة الأرحام.
أما الذات الناضجة : فهي التي تدعوك للتخطيط للمستقبل وترتب أوقاتك، وتهتم بالحقائق وجمع المعلومات، وأحيانًا تدعوك لشيء من المغامرة وركوب الخطر .
أما ذات الطفل: فهي التي تدعوك للراحة واللعب والترفيه وقضاء الأوقات مع الأصدقاء والسياحة، ودائمًا ما تعترض على العمل أو السهر للمذاكرة أو الانشغال بوقت طويل في القراءة، وتلح عليك أن تشاهد فيلمًا أو تتابع برنامجًا تلفزيونيًّا، والتعامل مع هذه الذات يكون على نحو ما تعامل به الطفل الصغير، فعندما خذلتني برفض الدورة حيث وضعت الكثير من العقبات في طريقي، أغريتها بأن جعلت مقابل سكوتها عني أن أتناول تلك الوجبة الفاخرة في المطعم!
وقفة:
أخي الحبيب اعلم أنّ من محرضات العطاء ومولدات الطاقة العمل بإستراتيجية (مكافأة النفس) عند تحقيق أي إنجاز، حيث إن إستراتيجية مكافأة النفس تطوع ذات الطفل التي بداخلك وتجعله مطيعاً مؤدباً في أي وقت تريد منه ذلك، فهو يثق بك إذا واعدته بشيء وأوفيت بوعدك، ولكن أحذرك، انتبه من خلف وعدك معها، فعليه سوف تتصرف معك كطفل حقيقي، حيث المحاولة الدائمة بخلق الصعوبات والمعوقات والسعي الحثيث لتدمير جهودك، وذلك بإثارة المشاكل ووضع العقبات أو التمارض وغيرها من الحواجز والعقبات!
إن النفس البشرية تتوق دائمًا للتحفيز والاحتفاء بأي نجاح ؛ لأنّ هذا الثناء سيولد مشاعر إيجابية ملؤها فرح بالإنجاز والكفاءة، وهذا لا شك يشعل الهمة ويقوي من رغبة عقلك اللاواعي باتجاه المزيد من العمل والجدية.
ومضة قلم:
النجاح سلَّم لا تستطيع تسلُّقه ويداك في جيبك.