أ.د.عثمان بن صالح العامر
الشيء الذي يجب أن يذكر فيشكر حين الحديث عن السلطات الثلاث في المملكة العربية السعودية هو التطور السريع الذي شهدته وتشهده السلطة القضائية، سواء القضاء العام أو الإداري «ديوان المظالم»، ويواكب هذا التطور في المحاكم ويوازيه تطوير كتابات العدل والجهات الداعمة والمساندة للقطاع العدلي في المملكة العربية السعودية، فضلاً عن إصدار اللوائح التنفيذية للأنظمة العدلية، والتوظيف الأمثل للتقنية، ونشر مدونات الأحكام المختلفة، والتوسع في استقطاب الأكفاء المتميزين- من خريجي كليات الشريعة وحملة الدرجات العليا المتخصصين في الشريعة والأنظمة - للعمل في السلك القضائي، من جهة ثانية وفي ذات السياق شهدت مهنتا المحاماة والتحكيم تقدماً لافتاً وسريعاً في غضون سنوات قليلة جداً، ويقف خلف هذا المنجز الوطني المشرف- سواء شقه الحكومي أو الخاص- فرق عمل متميزة على رأسها معالي وزير العدل فضيلة الشيخ وليد بن محمد الصمعاني الذي يبذل جهداً مقدراً ومشكوراً للتسريع بعجلة التطوير وصولاً لما ينشده ولاة الأمر وينتظره كل مواطن ومقيم وزائر يطرق باب العدالة يوماً ما بحثاً عن حقه الذي فقده أو سُلب منه لأي سبب كان، وحتى يكتمل عقد التطوير هذا، ويتحقق الهدف المنشود في أسرع وقت ممكن أعتقد أن من الأهمية بمكان - خاصة في هذه المرحلة - استفادة العدل من الكوادر الأكاديمية المتخصصة في الشريعة والأنظمة والقانون الموجودة في جامعاتنا السعودية المنتشرة في جميع مناطق المملكة، كاستفادة القطاع الصحي ممثلاً بالمستشفيات والمستوصفات الخاصة من الكوادر العلمية في كليات الطب والعلوم الصحية والصيدلة وغيرها، وذلك من خلال السماح لهؤلاء الأكاديميين المختصين بمزاولة المحاماة ومنحهم تصاريح تتيح لهم الانخراط في هذه المهنة «استشارة ومرافعة وتوثيقاً وتدريباً» والنص عليه صراحة في نظام المحاماة السعودي أو اللائحة التنفيذية، قياساً بما هو منصوص عليه في عدد من نظم المحاماة المعروفة. وعطفاً على ما هو معمول به في كثير من بلدان العالم الخليجية والعربية منها بل حتى الغربية التي سبقتنا في إقرار هذه المهنة بعشرات السنين، بل إن بعضها سابق لها بمئات السنين.
وبناء على مضامين رؤية التحول الوطني 2030، وتمشياً مع التخصص الذي بدأ العمل به فعلياً في محاكمنا الشرعية خلال الأسابيع القليلة الماضية فإن المحاكم التجارية على وجه الخصوص تحتاج إلى أن ينبري لمهنة المحاماة في القضايا التي تعرض عليها متخصصون في المعاملات المالية، ولذا فإن الاستفادة من خريجي الاقتصاد الإسلامي والأكاديميين المتبحرين بهذا الفن من العلوم سيجعل هذا النوع من المحاكم يتطور سريعا في ظل كثرة القضايا التجارية التي تحتاج إلى دراسات متعمقة وبحوث متخصصة مؤصلة ومعاصرة.
إن المرحلة التاريخية التي نمر بها جعلت قضايانا ليست ذات صبغة محلية فحسب - كما كان عليه الحال زمن الآباء والأجداد - بل صارت دولية كما هو معلوم، وهذا يوجب أن يكون لدينا مراكز تحكيمية عالمية ذات صبغة شرعية تقارع مثيلاتها في العالم المتقدم، وتحظى بالقبول الدولي جراء سمعتها المتميزة وجودتها الموثقة، وهذا يحتاج إلى عمل متميز وتعاون وتكاتف بين المختصين ودعم ومساندة من رجال الأعمال والقطاع الخاص فضلاً عن الشركات السعودية العابرة القارات، وقبل هذا وذاك متابعة وتشجيع من الجهات ذات الاختصاص بالمجال العدلي السعودي، وينطبق هذا القول كذلك على مكاتب المحاماة المتخصصة في القانون الدولي، وهذا كله يصب في النهاية بخانة تطوير السلطة القضائية السعودية التي هي اليوم محط أنظار الجميع «المستهلك والمستثمر على حد سواء». دمتم بخير، وإلى لقاء والسلام.