«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
منذ لحظة تأسيس وطننا الحبيب على يد المؤسس - طيب الله ثراه - وهاجسه ومن بعده أبناؤه هو أمن الوطن واستقراره؛ لذلك حرصت القيادة في مختلف العهود على تأمين هذا الأمن بصورة فاعلة، وبمختلف الأساليب الأمنية المتطورة؛ وبالتالي لم تبخل في مختلف العهود في ضخ المليارات في سبيل تعزيز الأمن ورجاله، وعلى مختلف الأصعدة، سواء كان ذلك من خلال توفير الأفراد العاملين في مجالات الأمن على اختلاف أنواعه، أو عبر توفير التجهيزات والمعدات المساندة لأجهزة الأمن ورجاله المخلصين. ولم يتوقف الوطن عند ذلك فحسب، بل حرصت القيادة منذ عقود على ابتعاث نخبة من شباب الوطن للدراسة في الخارج، والاطلاع على أحدث البرامج والدراسات والتقنيات الأمنية التي دائمًا تتطور مع تقدُّم العلم والمعرفة.
وفي هذا الإطار تخرَّج من جامعات وكليات العالم المتخصصة في مجال الأمن المئات من شباب الوطن الذين عادوا ليعملوا بهمة ونشاط في إدارة أجهزة الأمن في بلادنا، وفي مختلف المناطق والمحافظات.
وبالأمس القريب صدر أمر ملكي كريم بإنشاء هيئة باسم (الهيئة الوطنية للأمن السيبراني)، ترتبط بمقام خادم الحرمين الشريفين - أيده الله -، والموافقة على تنظيمها، وتعيين معالي وزير الدولة عضو مجلس الوزراء الدكتور مساعد بن محمد العيبان رئيسًا لمجلس إدارتها. كنت أتابع حيثيات الخبر مع الأحبة من المعارف عندما طرح احدهم تساؤلاً، يبحث عن جواب عن (ما هو الأمن السيبراني؟) فأجبته إجابة فضفاضة حسبما كان متوافرًا في ذهني لحظتها من معلومات عن هذا الأمن المهم، الذي بات في هذا العصر يحظى باهتمام مختلف دول العالم، وعلى وجه الخصوص الدول التي لها اعتبارات في مختلف المجالات؛ وتواجه بالتالي العديد من التحديات.
وفي هذا اليوم قررت أن تكون (إطلالة اليوم) عن (الأمن السيبراني)؛ ليكون القراء الأعزاء على معرفة بماهيته. وحسبما تشير إليه آخر الدراسات والتقارير عن بدايات هذا الأمن المهم، وفي دول مختلفة من العالم، والاهتمام به، بل فتح أقسام عملية لدراسته، وسبر غوره، ومعرفة مختلف الأساليب العلمية والتقنية لمكافحته.. كانت مع بروز ظاهرة (الهجمات السيبرانية) التي تطورت في السنوات الأخيرة بصورة لافتة، بل تجاوزت الحدود والتصورات؛ فهددت بالتالي كيانات دول واقتصاداتها؛ ومن هنا باتت (الجريمة السيبرانية) أكثر تعقيدًا، وحتى خطورة؛ لذلك عززت دول عديدة - ومنها ولله الحمد المملكة - من قدراتها وأساليب مكافحتها. وتحمل لنا بين فترة وأخرى وسائل الإعلام أخبارًا مثيرة، وأحداثًا مخيفة، برزت في دول عديدة، الكثير منها لا يُعلن؛ كونه يمس الأمن القومي والوطني لهذه الدولة وتلك.. بل إن بعض العمليات الإجرامية السيبرانية استطاعت ابتزاز بعض الدول؛ وهذا يجعلنا على قدر من الوعي والمعرفة بخطورة (الجرائم السيبرانية) الخطيرة التي طورت طبيعة تهديدها وطرق اختراقها لأنظمة الحواسيب في بعض الدول، ومنها دول كبرى.
ويشير تاريخ الجرائم السيبرانية إلى ما قام به (روبرت موريس) الذي ابتكر أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات دودة (موريس)، وكانت أول دودة كمبيوترية في العالم، وسجلت أيامها قلقًا بما تحتويه على فيروسات مخيفة ومدمرة وسريعة الانتشار. والحق إنه نجح أيامها في إغلاق جزء كبير من شبكة (الإنترنت)، وساهم في تدمير كم كبير من المعلومات المخزنة في مئات الملايين من الملفات. ومن هنا كانت دودة (موريس) وراء نشر الوعي بأهمية (الأمن السيبراني) في مختلف دول العالم؛ وبالتالي تم تأسيس إدارات ومؤسسات متخصصة في مكافحة (الجرائم السيبرانية) حفاظًا على أمن المعلومات والحواسيب، بل أعقب ذلك تأسيس أجهزة مختصة وهيئات تقف بالمرصاد بقوة، وكنقاط مركزية، تتفاعل مع كل حدث هجومي سيبراني يأتي من هنا أو من هناك. كذلك عُقدت خلال السنوات الماضية الكثير من الندوات والمؤتمرات في بعض الدول لمناقشة ظاهرة (الجرائم السيبرانية)، والوقوف أمامها بقوة، بل حتى التوعية بمخاطرها، وإيجاد السبل الكفيلة للقضاء عليها، والحفاظ على أمن المعلومات في مختلف الدول بالعالم. ونلخص للقول بأن الأمن السيبراني يُعرف أيضًا بأمن التكنولوجيا والمعلومات والعمل على حماية الشبكات والحواسيب والبرامج والبيانات من الوصول للآخرين غير المسموح لهم بالاطلاع على محتوياتها، أو محاولة التدمير أو التغيير.
هذا، ولقد أكد معالي الدكتور مساعد بن محمد العيبان رئيس مجلس الهيئة الوطنية للأمن السيبراني أن الهيئة ستضع على رأس أولوياتها استقطاب الكوادر الوطنية المؤهلة والطموحة، وتأهيلها وتمكينها، وبناء الشراكات مع الجهات العامة والخاصة، وتحفيز الابتكار والاستثمار في مجال الأمن السيبراني للإسهام في تحقيق نهضة تقنية، تخدم مستقبل الاقتصاد الوطني للمملكة. وقال: «أسأل المولى - عز وجل - أن يوفق الهيئة لتحقيق تطلعات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد - حفظهما الله -، وأن يديم على بلادنا أمنها وأمانها ورخاءها في ظل قيادتها الرشيدة» أ.هـ.
حفظ الله وطننا، وعزز من أمنه واستقراره.