ماجدة السويِّح
يشتكي بعض الآباء والأمهات اليوم من تعلّق الأطفال والمراهقين بأغان حديثة على غرار الهيب هوب والراب، كما يتعجبون من إدمان أطفالهم على استهلاك تلك الأغاني الغريبة في ألحانها وكلماتها، التي لا تختلف عن القصص الشخصية أو الكلام المحكي بقافية مغناة. بل إن البعض يعلن تعجبه من اكتساح أغان مثل أغنية «الصامولي» و»بقدونس» على الصدارة، وتربع مؤديها «دايلر» على القمة في عدد المتابعين لأغانيه وقناته التي فاقت الملايين، في حين يعلن البعض خوفه من تراجع الذائقة الفنية للجيل الحالي، الذي أدمن الفن المهجن من الكلمات العربية مع الموسيقى والأسلوب المستوحى من فناني الراب والهيب هوب.
رسائل التحذير والصيحات المضادة للظاهرة «صامولي» والخوف من تأثير تلك الأغاني على المراهقين والأطفال وانحدار الذوق الفني، جديرة بالبحث والتحليل.
بالعودة للتاريخ الفني العربي نجد العديد من الظواهر الفنية التي لاقت حملات مضادة في بدايتها، واكتسحت الساحة الفنية بعد ذلك، فلكل زمن فنه وموسيقاه التي يتذوّقها الجمهور، مع التأكيد على بقاء الفن الأصيل المتجدد في مقامه الرفيع رغم ظواهر التجديد.
على سبيل المثال واجه المطرب الراحل عبدالحليم حافظ الرفض من الجمهور من خلال « الطماطم» التي ألقيت عليه في بداياته، ورفض الاستماع لأغانيه وطلب الجماهير منه تأدية أغاني «العمالقة» حينها، فالخط الغنائي الحديث الذي اتبعه لم يعجب الكثير الذي أدمن على خط غنائي قديم وأصيل.
في تاريخ الفن الأمريكي تم تسليط الضوء على الهيب هوب والراب كأكثر الظواهر الغنائية انتشاراً، وتأثيراً على مستوى المستخدمين والثقافة بشكل عام، في بدايتها لم تكن تحظى بالانتشار والقبول نظراً لارتباطها بمجتمع الأفارقة الأمريكان، وماهيتها التي تعتبر كل أغنية هي ثورة ومقاومة ضد العنصرية والتمييز والفقر التي يعاني منها مجتمع السود في السبعينات.
في السابق ارتبطت تلك الأغاني بالعنف والجريمة والجنس، لذا نجد العديد من الدراسات العلمية التي أولت الهيب هوب والراب الاهتمام بالبحث والتقصي لتلك الظاهرة، وآثارها على الأطفال والمراهقين، حيث وجدت بعض الدراسات ارتفاع نسبة العنف والجريمة عند الطلاب الذين يستمعون للراب والهيب هوب، خصوصاً لمن يعانون من مستوى اجتماعي وتعليمي منخفض، بالمقابل وجد البعض قدرة تلك الأغاني على التأثير عند حملها رسائل وقيماً إيجابية نظراً لانتشارها وتعلّق الكبير والصغير بها.
تلك النتائج شجعت بعض الباحثين والمختصين للبحث عن وسيلة لاستثمار الراب والهيب هوب بعد أن أصبح ثقافة مسيطرة على المجتمع الأمريكي، وثقافة عابرة للقارات لنشر الرسائل الإيجابية من خلال المحتوى الذي دأب على استهلاك مفردات الجنس والمخدرات، ليكون بديلاً آمناً وفعَّالاً للمراهقين والشباب الذين يستهلكون ذلك الخط الغنائي الحديث.
كل تلك الأمثلة تثبت أن الذائقة متغيِّرة وقابلة للتطور، وقد يرى البعض أن هذا التطور انتكاس طبقاً لمعاييره الفنية والزمنية والمكانية، بينما يرى الجيل الجديد أن الظاهرة الفنية «دايلر» أو غيره من الثورات الفنية تعبير وتجسيد لذائقتهم الفنية، طبقاً لمعاييرهم التي تأثّرت بالراب والهيب هوب، لذا لنعمل على استثمار الجديد وصناعة رسائل إيجابية عبر تلك الشخصيات المحبوبة والمشهورة والقادرة على التأثير، على سبيل المثال إيصال الرسائل التعليمية والتوعوية للأطفال والمراهقين هدف تسعى القطاعات الحكومية المختلفة لتحقيقه، وقد يتحقق بأقصر الطرق وأكثرها جاذبية عبر المؤثِّرين في الشبكات الاجتماعية كـ»دايلر» وغيره من المؤثِّرين المتصدرين عالم المراهقين.