د. محمد بن إبراهيم الملحم
انتشر مؤخرا مقطعان حول معلمين يضرب كل منهما طالبًا بقسوة وجفوة بل أحدهما تلفظ بالسب والشتم، وكان واضحًا من المقطعين أن الطلاب في المرحلة المتوسطة تقريبا (أو ربما الصف الأول الثانوي) وهي صفوف المراهقة وتصرفاتها الاستفزازية للمعلمين والآباء، كما كان واضحًا احتقان كلٍ من المعلمين الضاربين نحو الطالب، وكلاهما في مدرسة حكومية، ومن نافلة القول إن هذين المقطعين ليسا مفاجأة وليسا أول المقاطع ولا أظنها ستكون الأخيرة ولهذا فليس تعليقي عليهما بذاتهما بقدر ما هو على مناسبتهما لأطرح هذا السؤال: لماذا يضرب المعلمون طلابهم؟
إذا استثنينا فئتين من المعلمين هما المجتهدين والفاشلين ستكون إجابتنا على هذا السؤال ذات أهمية خاصة، ذلك أننا متفقون جميعا على أن المعلم المجتهد لا يضرب بطريقة جنونية أو ترافقها الشتائم وعبارات التفريغ النفسي كما أن الطالب يدرك الهدف التأديبي الخالص (وبالطبع لسنا بهذه المناقشة نقر مخالفته للنظام)، كما أننا متفقون أيضًا على أن المعلم الفاشل يضرب لضعف أدائه فيحث به الطلاب على اجتياز الحد الأدنى كيلا تكشف ظاهرة انخفاضهم جميعًا فشله الذريع. نتحدث إذن عن عموم المعلمين في الحد الأوسط بين هذين الطرفين ونتساءل: لماذا يقوم بعضهم بالضرب بطريقة سيكولوجية غير مقبولة أبدًا حيث يبالغ في إيذاء الطالب ليشعر بمزيد من الألم بالإضافة إلى الشتائم التي تصل إلى البذاءات أحيانا؟ وهو ما شوهد في المقطعين المنتشرين (ولها أمثالها من مقاطع سابقة وربما لاحقة أيضًا).
لا شك أن مثل هذا المعلم واقع تحت كثير من المتغيرات والعوامل السلبية التي أدت به إلى هذه النتيجة، ومع أني لا أبرر بهذا خطأه في ارتكاب جريمة الضرب المعنف للطالب وأرى أنه حقيق بالعقوبة النظامية التي يستحقها، لكنما يجب أن يكون هناك هدفٌ أسمى من هدف تطبيق النظام والعقوبات وما وراءها، يتمثل ذلك في حماية هذه الفئة من المعلمين من شر أنفسهم الضعيفة، ونزقهم الأعمى، وسورات غضبهم وانفعالاتهم التي لا يسيطرون عليها. هناك كثير وكثير جدًا من المعلمين قادرين على ضبط انفعالاتهم وتمثل العواقب المترتبة عليهم فيما لو استخدموا الضرب فهم يتعاملون بالتي هي أحسن مع من يستفزهم (يوميا) من الطلاب وقد روضوا أنفسهم على غض الطرف والتجاوز (وربما تقبل الإهانات الطلابية أحيانا) ولكن لا شك أن مجتمع المعلمين بكبر حجمه الضخم لا يمكن أن يكون محصورًا على هذا النوع من الناس ممن يسيطر على انفعالاته لذا لا بد ممن تصدر منهم مخالفة ضرب الطلاب وربما تتكرر، فهل «ننظف» التعليم منهم مهما بلغ عددهم وربما كانت جودتهم في العطاء ذات قيمة، أو نأخذ بمبدأ تخفيف حجم الضغوطات التي حولهم والتي أوجدها النظام التعليمي والبيئة التعليمية بكل أثقالها وأوضارها ليتمكن هؤلاء من مساعدة أنفسهم والحفاظ على صورتهم المهنية خالية من هذه التجاوزات؟ أعتقد أن هذا هو الحل الأحكم والأفضل، بل أظنه أيضًا يتسق مع توجه الوزارة في العناية بالمعلمين عندما أعلن معالي الوزير مؤخرًا عن لجان مختصة للدفاع عن حقوق المعلمين!
الضغوط تقع على كل أحد تقريبا نتيجة أوضاع اجتماعية أو اقتصادية أو مواقف يومية حياتية، ولكن ما أشير إليه هنا هي تلك التي تخلقها بيئة العمل للمعلم وتزيد من متاعبه وقلقه النفسي بدل أن تقدم له مؤسسات المهنة وسائل للتخلص من الضغوط الخارجية الأخرى وهو ما يحدث في بلدان يتمتع فيها المعلمون بنوادٍ وجمعيات ومراكز استشارات خاصة بهم. ولهذا السبب سألقي الضوء في المقالة القادمة على بعض هذه الضواغط النفسية التي تسببها مؤسسات التعليم لدينا والتي ربما تكون سببًا في ارتكاب بعض المعلمين ضرب الطلاب وإهانتهم.