د.علي القرني
في مملكة الحزم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله تسير المملكة العربية السعودية برؤية سديدة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز نحو المستقبل بخطوات حثيثة وتخطيط علمي وتجسيد واقعي. ونحن نحمد الله أننا كل يوم نرى تجسيدا حقيقيا لرؤية 2030 من خلال مشروعات أو أنظمة أو تعيينات. وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قد ذكرا في غير مناسبة أنهما ينتظران أي فكر أو اقتراح من شأنه أن يرتقي بالمؤسسات السعودية وبالمجتمع السعودي. وخلال الفترة الماضية رأينا اهتماما خاصا من القيادة العليا بمكافحة الفساد واستئصاله من جذوره في قرارات عديدة، ومقالي هذا هو لفت انتباه إلى مجال آخر تحت موضوع مكافحة الفساد، ولكن في منطقة جديدة غير مأهولة بأنظمة وقرارات ورؤى تنفيذية، هي المنطقة التي لم تنل أدنى اهتمام من قبل قيادات التعليم وبالتالي لم تصل إلى اهتمام القيادة العليا، رغم أنه ضمن رؤيتهم الحازمة في مكافحة الفساد.
هذه المنطقة هي منطقة (1) رمادية لا يراها كل الناس، بل شريحة نخبوية تراها أمامها، وهي (2) منطقة محايدة تبتعد عنها كثير من الشخصيات التنفيذية ولا تخوض فيها ولا تقترب منها، (3) وهي منطقة غير مصنفة في الواقع تحت أي كيان إداري وربما تمتد لجهات غير ذات اختصاص، (4) وهي منطقة أو نقطة سوداء كما يراها آخرون من خارج مملكتنا الغالية ووطننا العزيز. ومن هنا نرى أن التفاتة حقيقية من القيادة العليا نحو هذه المنطقة من شأنه أن يضع النقاط على الحروف ويرسم للمستقبل معالم الوضوح والشفافية والنقاء.
إن السنوات الماضية قد حظيت بنقاش كبير وحوارات عديدة وصلت إلى مستوى تأليف كتب وتنظيم ديوانيات وعقد ندوات حول موضوعين هما (1) الشهادات الوهمية (2) السرقات العلمية، ولربما أن هذين الموضوعين قد سيطرا على الرأي العام الأكاديمي ولا يزالان. وموضوع الشهادات الوهمية بدأت الجامعات تنتبه له وتراعيه في التعيينات، رغم أن بعض تعيينات أصحاب الشهادات الوهمية خارج الجامعات لا يزالون يمارسون أعمالهم، ولكن الموضوع الثاني (السرقات العلمية) وهو الأهم لا زال في المربع رقم واحد. فالسرقات مستمرة والسارقون لا يزالون يتبوأون مناصب مرموقة في كل الأماكن، ومن يحارب السرقات من رجال أو نساء خلال السنوات الماضية يقفون أمام باب الشرط ومكاتب النيابة العامة بسبب كشف هذا المستور.
ومن هنا فإني أرى أن تتصدى القيادة لهذا الحراك السلبي الذي بدأ يدب في خلايا التعليم ومن شأنه أن يعطبه في يوم من الأيام، ونحتاج هنا إلى رؤية حازمة والتفاتة عميقة من الأمير محمد بن سلمان يحفظه الله إلى هذا الموضوع المهم، وحتى نظام الجامعات الجديد لم يأخذ في اعتبار لمثل هذه الحالة وأبقاها على وضعها الحالي. وباختصار شديد فإن السرقات العلمية والتحايلات العلمية لا تزال عندنا من الأمور التي نتستر عليها ونبقيها في الخفاء ونعاتب من يكشفها، بل نقاضيه ونقف ضده. وتحديدا أقصد هنا القضايا التي تتعلق بسرقة بحث أو استلال دراسة ونشرها في دورية علمية أو كتاب منشور، فهذه أمور خطيرة جدا لا تتوانى عنها أي جامعة من الجامعات العالمية بل تقف ضد المتحايلين وسراق العلم وتشهر بهم وتنشر فضائحهم في مواقعها الإلكترونية وصحفها اليومية، فهذا من شأنه أن يقدس العلم ويرتقى بسمعة الجامعة ويعطي أهمية قصوى للنزاهة العلمية. هذه الأمور غائبة لدينا في بلادنا، وتحديدا في جامعاتنا. ومن هنا فإني أطرح المقترح التالي:
1. تتأسس في كل جامعة وحدة خاصة بالسرقات العلمية والتحايلات العلمية او على أقل تقدير لجنة مختصة بهذا الموضوع، ويكون بعض أعضائها من خارج الجامعة لاكتساب مزيد من النزاهة في قراراتها. ولا يكون قراراتها معتمدة الا بعد اعتمادها من مجلس الجامعة أو مجلس الأمناء كما هو في النظام الجديد للجامعات.
2. تنشأ في وزارة التعليم وحدة مختصة تحت مسمى «وحدة النزاهة العلمية»، وتكون معنية بمناقشة الموضوعات ذات الصلة بالسرقات والتحايلات العلمية التي لم تبت فيها الجامعات أو تلك التي تتعدى حدود الجامعات، أو تلك التي تأتي على شكل شكاوى من أشخاص من خارج المملكة.
3. يسحب اختصاص النظر في قضايا السرقات والتحايلات العلمية من وزارة الثقافة والإعلام (لجنة النظر في مخالفات حقوق المؤلف) وتعطى إلى وحدة النزاهة العلمية بوزارة التعليم، حيث أثبتت تلك اللجنة عدم تمكنها من البت في أمور واضحة جدا، ودليل ذلك هناك قضايا ضد هذه اللجنة في ديوان المظالم.
4. يتم إيقاف كل المحاكمات التي واجهها أكاديميون كتبوا أو كشفوا عن السرقات والتحايلات العلمية، وإحالة موضوعاتهم إلى وحدة النزاهة العلمية بوزارة التعليم، ويصبح موضوع تلك القضايا هو هل توجد سرقات علمية أم لا، وليس هل هناك تشهير بمن سرق وتحايل.
5. من الواضح أن نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية ليس له علاقة البتة بموضوع السرقات العلمية، فهو نظام يتتبع مكافحة الجرائم الأمنية التي تمس بأمن واستقرار البلاد، ولهذا لا يصبح هو المرجعية لحالات السرقات العلمية.
6. لا تصبح المحاكم الشرعية معنية بأي موضوع أو قضية لها علاقة بالسرقات العلمية، لأن جهة الاختصاص هي وزارة التعليم.
7. عند التعيينات سواء في الجامعات أو في غيرها، يجب ملاحظة خلو الشخص من قضايا سرقات وتحايلات علمية مثبتة ضده.
هذه النقاط - وغيرها ربما - يمكن أن تكون نواة لنظام وطني لمكافحة السرقات والتحايلات العلمية في بلادنا، ومن شأنه أن يوقف هذا الاستشراء المميت الذي بدأ يدب في أرجاء متفرقة من بعض جامعاتنا، كما أن نظام التستر على هذه الأمور ليس من مصلحة عامة أو مصلحة علمية، كما أن معاقبة من يكشف أو ينشر هذه السرقات ليس عدلا أو إنصافا له مثل هذه العقوبات، ووحدة النزاهة العلمية بوزارة التعليم هي التي يجب أن تبث موضوع: (السرقة أولا قبل موضوع التشهير)، ومن ثبت سرقته لأعمال وبحوث ودراسات يجب أن يعاقب، وفي حالة التشهير الذي حدث بدون إثبات، فإن من حق الشخص المشهر أن ينال عقوبته، التي تحددها وزارة التعليم. وبناء أنظمة في هذا المنطقة الرمادية إلى الآن من شأنه أن يرتقي بمبدأ الشفافية في الحياة العامة في بلادنا في ضوء توجه الدولة في تطبيق نص وروح رؤية المملكة 2030.