د. عبدالرحمن الشلاش
عشت نهاية المرحلة الثانوية وبداية الدراسة الجامعية الانطلاقة الحقيقية لما سمي آنذاك بالصحوة الإسلامية، وهي ما وصفت من مناوئيها فيما بعد بزمن الغفوة أو الكبوة، أو الهفوة على اعتبار أن ما حدث في تلك الفترة الطويلة قد أسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في إحداث شلل شبه تام في أطراف الحراك الاجتماعي مما أضر بكثير من الخطط التنموية، وأدى إلى تفتيت شرائح المجتمع، وظهور التصنيفات داخل المجتمع السعودي المسلم.
أذكر في ذلك الوقت كان شيوخ الصحوة يتصدرون المشهد. يتنقلون بين المساجد والجامعات والمدارس للوعظ والإرشاد. كان العدو الحقيقي لهم من يسمونهم بالتغريبيين من اللبراليين والعلمانيين والحداثيين. لم نكن نعلم في ذلك الوقت أن خلق الجبهات المعادية الهدف منها كسب الأتباع واستقطاب المؤيدين وهو ما نجحت فيه الصحوة إلى حد كبير لأنها تمكنت من إيصال رسائلها إلى الجميع بأن هؤلاء ليسوا أعداء للصحوة ورموزها وشيوخها، وإنما أعداء حقيقيون للدين! أذكر عندما تقول لأحدهم وهو يهاجم من يصفه بعدو الدين ولكنه يا أخي يصلي ويصوم ويتصدق يرد عليك دون أن يفكر ولكن فكره ملوث. في مجال التعليم يحرصون على التواجد في المدارس الثانوية كي يتمكنوا من السيطرة على الشباب ولأني كنت مديرًا لإحدى المدارس الثانوية الكبرى بمدينة الرياض فقد كنت قريبًا من المشهد حيث يتواجد الصحويون بكثافة، تجد منهم متخصصون في الرياضيات والعلوم وسائر التخصصات. منهم مخلصون لمنهجهم الصحوي وآخرون مع الخيل يا شقراء. أغلب نشاطاتهم في المخيمات والاستراحات، وكانوا لا يرغبون أن يرافقهم في تلك النشاطات من الإداريين والمعلمين من يشكون في توجههم، أو من لا يساعدهم على تحقيق أهدافهم. من السهل لديهم أن ينقلبوا عليك لأي اختلاف معهم، ولا يتورعون عن العمل الجاد للإطاحة بمن يخالفهم. بل إن أغلب الترشيحات للمناصب والإشراف وإدارات المدارس من نصيب أخوانهم في الصحوة لأنهم يسيطرون على مفاصل الوزارة ولهم تواجد في كل مكان ولا يستطيع أحد إيقافهم، وانتقلت سطوتهم للمدارس الأهلية حيث سيطروا عليها بالكامل.
أكثر تركيز الصحويين على المظاهر الخارجية، لذلك تزايدت أعداد أصحاب المظاهر الخادعة لأن المسألة لا تتطلب أكثر من تغيير الملابس والهيئة الخارجية فصرت لا تفرق بين الصادق والكاذب. لن أقول اليوم إن الصحوة انتهت لكنه زمن يجب أن لا يعود بعد أن دفع الجيل ثمنًا باهظًا حيث سرق منه الفرح وحرمت عليه مباهج الحياة.