د. فوزية البكر
كان مساء الأحد 17 سبتمبر 2017 معطراً بكل إضاءات العطاء النسائي الوطني في بلادنا الحبيبة ممثلا بثلاث نساء ملهمات تسني لنا في ملتقانا النسائي الأحدي أن نتشرف باستضافتهن وتكريمهن للتعريف بعطاءاتهن الوطنية التي خدمن بها الوطن في مسيرة إنسانية متميزة.
فارستنا الأولى في هذا التكريم كانت السيدة العظيمة ندى البواردي صاحبة جمعية بنيان الخيرية التي بدأتها منذ عشرين عاما لتصبح نموذجا مشرفا للعمل الخيري البنائي: أي بناء الأسرة من الداخل بإيجاد المسكن الشريف وبرعاية الأبناء في المدارس وبتأهليهم للحصول على عمل ليقفوا على أقدامهم، ويصبحوا مسئولين عن أنفسهم بدل ما جرت العادة بيننا عليه في رمضان وغيره من تقديم المساعدات العينية المؤقتة التي تنتهي باستهلاكها لتبدأ حاجة الفقير من جديد، ويظل هو ضمن دائرة فقر وعوز وقلة تعليم وتثقيف لا تتوقف.
جمعية بنيان الخيرية برئيستها المخلصة وبعضواتها المتطوعات اللاتي يقترب عددهن اليوم من آلاف، ومن خلال التفاف مؤسسات الوطن حولهن من مؤسسات حكومية وبنوك ورجال أعمال تمكن تدريجيا من تغيير فلسفة العمل التطوعي الخيري مع الأسر ليوفرن الاستقرار والديمومة للأسرة المحتاجة، من خلال توفير المسكن الحلال والتعليم المستمر والوظيفة التي تضمن للعائلة حياة مستقرة عبر مشاريع كثيرة متنوعة، منها على سبيل المثال لا الحصر الاستفادة من الأوقاف الخيرية في إسكان المحتاجين، حيث تمتلك الجمعية اليوم كما ترعى أكثر من عشرين وقفا، كما أنها وفرت التعليم والتدريب لمئات من الشباب والشابات حتى يتمكنوا من العثور على عمل للمساعدة التدريجية للتخلص النفسي والشخصي من فكرة التعود على الاعتماد على صدقات وهبات الآخرين.
جمعية بنيان الخيرية النسائية للتنمية الأسرية تعكف على مشاريع تستهدف الشرائح الفقيرة والعاجزة بسبب الجهل والفقر واليتم، وذلك لتمكين الأفراد والأسر عن طريق توفير السكن الآمن والتعليم أو التدريب للحصول على الوظائف، ومن هذه المشاريع مثلا تطوير حي السبالة في مدينة الرياض والذي قامت الجمعية من خلاله بتسكين 230 عائلة ممن كانوا يعيشون في منازل طينية آيلة للسقوط، وذلك كجزء من حملة جمعية بنيان لتطوير الأحياء العشوائية مثل أحياء العريجاء والعود والمرسلات في مدينة الرياض ونالت على اثر نجاحها في ذلك دعما مباشرا من أمير الرياض وهيئة تطوير الرياض، عسي أن تنتقل هذه المبادرة الطيبة إلى باقي مدن المملكة خاصة النائية منها حيث الحاجة بلا شك أكبر.
جمعية بنيان لا تتوقف في برامجها التي تجاوزت المئات وهي قد حظيت بثقة المؤسسات الحكومية والأهلية، مما مكنها من الحصول على الدعم المالي الكبير الذي مكنها من توفير برامج وخدمات كبيرة كطهاة بنيان وبرنامج اليد العليا وبرنامج ألوان وغيره وغيره من البرامج.
شكرا ندى لك ولكل شريفات هذا الوطن من المتطوعات اللاتي شرفن ملتقانا بحضورهن ليلة الأحد، رغم أن هذه المقالة عاجزة عن تناول مبادراتكن الرائعة بالشرح إلا أنني أدعوا قرائي الكرام للبحث والتواصل مع هذه الجمعية الرائدة التي أتمنى أن تنتقل فكرتها إلى كل أرجاء وطننا الحبيب، لتعم فكرة العمل الخيري المستدام القائم على التمكين.
همسة أخيرة للجمعية الرائدة وهي أن تحاول الخروج على نمط التمكين التقليدي وفي مجالات تقليدية بسيطة للرجال والنساء، فعلى الرغم من أن البرامج متميزة وحتما ستساعد المحتاجين، إلا أنها لا زالت في دائرة الأعمال الصغيرة المتوقعة للجنسين (الطبخ ، تنظيم حفلات الخ). هناك من مجالات التعليم ما يضمن تغييرا في مهارات الشاب أو الشابة مثل تعلم لغة الكمبيوتر (كودينك) والتي تنال الكثير من الاهتمام الآن في شتى أنحاء العالم لدورها الفعال في شحذ ذكاء المتعلم، وتمكينه من الحصول على وظائف أكثر دخلا وديمومة من الأعمال التقليدية التي تعطي مهارات بسيطة لا تطور مهارات المتعلم بدرجة تفتح أبوابا حقيقية تعينه على الخروج من دائرة الفقر والحاجة، لينتقل إلى مستوى الأسرة المتوسطة المسئولة عن نفسها دون الحاجة لدعم الآخرين. ما تقمن به لا يستطيع أي أحد أن يفعله لكن ربما نحتاج إلى أفكار أخرى تتماشى مع الاهتمامات والمهارات التي يمتلكها أبناء وبنات هذا العصر حتى الفقراء منهم.