محمد المهنا أبا الخيل
كتبت في الأسبوع الماضي عن صورتنا في الخارج والحاجة إلى إزالة ما يشوبها من تصورات لا تنطبق والواقع السياسي والاجتماعي للمملكة، وذكرت أن ذلك يكون بتنشيط التواصل بين قادة الرأي في المملكة ومماثليهم في مختلف الأمم الأخرى التي تربطنا بها مصالح وعلاقات تستلزم حسن تلك الصورة، وقد أثار مقالي البعض حيث أبدى بعضهم الاستغراب من تجاهلي لوسائل وطرق أكثر تأثيرًا في رسم صورة إيجابية عن المملكة ومن ذلك النشاطات المتمثلة في الفن التعبيري كالمسرح والموسيقى والغناء والرسم وغيرها. وهذا المقال اليوم هو استدراك على ما فاتني ذكره في المقال السابق.
لا شك أن معظمنا يتذكر معارض (المملكة بين الأمس واليوم) التي انطلقت في عام (1985م) في ألمانيا بمدينة كولون وكان رئيس اللجنة العليا المنظمة لتلك المعارض هو ملكنا اليوم خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، عندما كان أميرًا لمنطقة الرياض، تلك المعارض استمرت تنتقل من دولة إلى دولة حتى عام 1992م حيث توقفت بسبب انشغال المملكة بحرب تحرير الكويت وما تبع ذلك من تحديات، وقد كان لتلك المعارض تأثير هائل واستثارات للزخم الإعلامي في كل بلد تواجدت به، حيث كانت تشتمل على معروضات ثقافية وتراثية وبيئية ونشاطات فنية ومسرحية انشغلت بها المجتمعات التي استضافتها.
وكانت هذه المعارض تنتقل من مدينة إلى مدينة في تلك البلدان التي أقيمت فيها، حتى باتت المدن في تلك البلدان تتنافس في دعوة المعرض السعودي مما جعل الاستجابة لدعوات المدن تلك تخضع لدراسة وتقييم وموازنة بين الخيارات.
لقد حقق معرض (المملكة بين الأمس واليوم) نجاحًا باهرًا في خلق صورة إيجابية عن المملكة لدى كثير من المجتمعات وقد استشعر ذلك كثير من الزوار والسياح السعوديين عند زيارتهم لتلك البلدان، ولكن أتت السنين التي سممت فيها منظمات الإجرام والتزييف كالقاعدة وتفرعاتها، تلك الصورة الرائعة التي تكونت للمجتمع السعودي لدى عدد من المجتمعات العالمية، فاستغلت ذلك رغبات شيطانية لدى بعض الحاقدين على المملكة وشعبها وكادوا وتأمروا لتشويه صورة المجتمع السعودي وتبعهم أنظمة ومنظمات حاقدة مغرضة.
اليوم نحن في عهد الملك سلمان وهو الرجل الذي أثار فكرة معرض (المملكة بين الأمس واليوم) وهو الذي تولى التخطيط لذلك والإشراف المباشر على التنفيذ فكانت النتيجة نجاحًا أبهر خبراء العلاقات العامة وقادة التأثير الجماهيري، هذا اليوم نعاصر الخطوات المباركة التي يوجه بها - حفظه الله- ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان من خلال ترؤس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية للتحول لمجتمع فاعل في تنمية الحضارة الإنسانية ومجتمع محب للحياة والسلام العالمي، لذا ما أحوجنا اليوم إلى إعادة إطلاق مشروع شبيه بمعارض (المملكة بين الأمس واليوم) وألا يقتصر على عرض الأمس واليوم بل والمستقبل حيث الطموح في رؤيتنا (2030) وما بعد ذلك من طموح نريد به أن نكون في محور التأثير العالمي ومحور صناعة الحضارة والتاريخ للأجيال القادمة.
نحن اليوم بحاجة إلى إطلاق الفن السعودي التعبيري من قمقمه الذي احتجز فيه ردحًا من الزمن وبات علينا واجبًا أن نري العالم ما اختزنته المخيلة السعودية من تراث وثقافة تعود لآلاف السنين، لا بد أن يعرف العالم أن بلادنا وإن كانت في معظمها صحراء لا تنبت الشجر فهي بيداء يتحرر فيها العقل والخيال ليبدع الشعر الأدب والثقافة والاختراع لمواجهة ظروف الحياة، نحن بحاجة لنري العالم أن تحت الثياب البيض والعباءة السوداء يكمن إنسان يتفتق علمًا ومعرفة وأدبًا وفنًا وحبًا للحياة.