د. جاسر الحربش
العلم هو التعامل المعرفي العقلي مع المادة والظواهر الطبيعية، والأخلاق هي التعامل المتحضر مع الحياة بما تستحقه من الاحترام والنظام. الاستثمار في تجديد تعليمنا الداخلي وكثافة البعثات الخارجية وبرنامج فطن التربوي، هذه علامات طريق واضحة على النهج التجديدي الذي ارتأته السعودية للمستقبل. لا توجد دلالات أوضح على ذلك من التهجمات العشوائية على تجديد التعليم ومن محاولات التخريب من قبل البيروقراطية القديمة في برنامج فطن التربوي.
ما يجب فهمه للخاصة والعامة هو أن أية خطوة تطويرية عملاقة كالتي نحن بصددها تحتاج إلى نوعين من الطاقة، طاقة العلم وطاقة الأخلاق. كل مجتمع حاول السير إلى الأمام بطاقة الوقود العلمي فقط دون القدر الكافي من الطاقة الأخلاقية فشل، إما بسبب ارتفاع حرارة الإحتكاك داخل مكوناته أو بسبب وعورة الطريق. الأمثلة التاريخية من محاولات الشعوب الأخرى تسهل الفهم. روسيا القيصرية حاولت اللحاق العلمي والتقني بجوارها الأوروبي أيام بطرس الأكبر فتقدمت قليلا ً ثم عادت إلى ما كانت عليه من الفوضى والجوع والصراعات الطبقية. طموح بطرس الأكبر كان علميا ً مهنيا ً بالدرجة الأولى لدرجة أنه تنكر بضعة شعور ليعمل يدويا ً في أحواض بناء السفن الدينيماركية وليتعلم بالمعياشه وسط العمال. لكنه لم يهتم كفاية بترتيب المجتمع الروسي تربوياً، والمقصود بذلك تشرحه السطور اللاحقة. نفس المصير واجه مشروع النهضة الألماني الأول في الدولة البروسية، حيث تم التركيز على القوة العسكرية والانضباط المدني الصارم في شؤون الإدارة، ولكن أهملت التنمية الأخلاقية في الفنون الراقية والفلسفة وآداب التعامل. بعد عشرات السنين من النجاح هزم المشروع أمام الجيش الفرنسي بقيادة نابليون التي كانت تمزج بين العلم والفنون والدراسات الفلسفية. نهضة اليابان الإمبراطورية حققت انطلاقة مذهلة بتطبيق الطاعة الصارمة وإذابة الفرد في الجماعة ولكنها تبنت مفاهيم أخلاقية عنصرية ضد القوميات الأخرى. في النهاية انضم كل جوارها الآسيوي إلى صف الولايات المتحدة الأمريكية وتحولت اليابان إلى ركام. أدولف هتلر الألماني ارتكب نفس الغلطة في محاولات استعادة القوة الألمانية بالعلم دون الأخلاق فلاقت ألمانيا نفس المصير الياباني.
إذا ً ماهي الطاقة الأخلاقية أو الشحنة التربوية اللازمة لضمان سير المحرك العلمي إلى الأمام بأقل المعوقات ولأطول مسافة تاريخية؟. لا أعتقد أن الموضوع صعب الفهم فقوانين الطبيعة تصدق على المواد والبشر. الآلات المتحركة تحتاج إلى شحنة الكهرباء في البطارية لإشعال وقود المحرك، والبطارية هي الإدارة العليا التي تنطلق منها الشرارة. وقود المحرك هو الثروات المادية والفكرية المتوفرة، أي الثروات الطبيعية وثروات العقول ومهارات الأيادي.
تبقى أمامنا العربة نفسها التي نخطط لها أن تتحرك إلى الأمام. العربة هي الشعب بكافة أعماره وطبقاته وأماكن تواجده. مالذي يحتاجه المحرك الوطني زيادة على البطارية والوقود لكي يسير بدون ضجيج واحتكاك وفوران؟. إنه يحتاج إلى التليين والتبريد بالزيوت والشحوم والمياه ونواقل الحركة المرنة بكفاءة تشمل كل التروس والمفاصل القريبة والبعيدة.
في النهاية سوف نستنتج أن الزيوت والشحوم ومياه التبريد ونواقل الحركة تعني مرونة وانسيابية التعامل بين مكونات العربة دون استثناء، ليس مع بعضها فقط وإنما كذلك مع الطريق الذي تسير عليه وهو العالم الواسع بأكمله.
أما ماهي ضوابط أخلاق التعامل اللازمة لحركة المجتمع المخطط للتقدم، فذلك هو القانون العادل الذي يضمن التوافق بين النظرية والتطبيق.