د. محمد عبدالله الخازم
وصل المجتمع مرحلة متقدمة من التشدد تجاوز مجرد الاعتقاد والممارسة الشخصية إلى فرض أسلوب حياة معين على المجتمع، مما استوجب توجه الحكومة الدفع بقوة بأجندة تحث على الاعتدال والوسطية والانفتاح. الصحوة ، أو ما عرف بالصحوة، هي المتهم في هذا التشدد، لكن التحليلات العلمية المعمقة لا زالت غير كافية حولها؛ كيف أتت ولماذا أتت؟ ماهو الدور الذي لعبته في خدمة المجتمع والدولة؟ ماهي البدائل التي ستنشأ في ظل تحطيمها؟
التحولات الاجتماعية للمجتمع تحدث على شكل موجات ولأسباب تتعلق بالروابط البشرية بين الناس، من منطلق أن الإنسان كائن اجتماعي يحتاج أو يجنح للإنتماء لجماعة او رابطة أجتماعية، بغض النظر عن تعريفها ومسماها، بشكل دائم. هذه الرابطة التي تجمع الناس، لو حللنا أو استعرضنا الواقع المحلي من خلال تكونها، فإنه يمكننا القول، بشكل سريع، أننا مررنا بموجات أو مراحل في موضوع الانتماء إلى الرابطة الاجتماعية.
قبل بدء الدولة السعودية كانت القبيلة هي الرابط الأساسي للجماعة، ولم ينتهِ دورها الاجتماعي، لكن سياسياً تلاشت قوتها مع نشوء الدولة وتحول الرابط بين الناس من رابط القبيلة إلى رابط الوطن والدولة. اجتماعياً بدأت تنشأ حركة المجتمع المدني بشكل بطيء تتمثل في تأسيس نقابات مهنية - وفق مهن ذلك الزمان الشائعة- وعمل أهلي أبرز أمثلته تأسيس جامعة أهلية وجمعية إسعافية ومجلس شورى منتخب. ماحدث بعد ذلك وربما لمبررات ليس المجال نقاش تفاصيلها وإن كان أبرز ماقيل في مبرراتها هو عدم جاهزية الناس لنقص التعليم وغيره ولضراوة العدوات الخارجية ضد الوطن من القومية العربية والماركسية والبعثية وغيرها. بغض النظر عن التفسير، فإن ماحدث هو التراجع عن مبادرات المجتمع المدني تلك في ظل نمو التوجه الإسلامي فكراً ومؤسساتياً. لقد كان للتعبئة الإسلامية والتوجه للتضامن الإسلامي دوره السياسي في مقاومة الأيدلوجيات المحيطة. لم يكن ذلك خاص بالمملكة، بل هي موجات عالمية بدات أواخر السبعينات في تحول العالم نحو الأصولية وفي منطقتنا جاءت مؤشراتها على شكل أحداث كبرى تمثلت في ثورة إيران وحركة جيهان والمقاومة الأفغانية للغزو الروسي... إلخ.
الصحوة نشأت امتداداً لذلك الفكر وتلك التعبئة، لتملأ الفراغ ولتشحذ الهمم في مواجهة الأعداء. البعض يؤرخ لها بنهاية السبعينات، لكنها مثل أي حركة اجتماعية لا تنشأ بين يوم وليلة. يجب أن لا ننكر دور الصحوة في مرحلة تاريخية مهمة؛ نشأت وازدادت الصحوة قوة في زمن تقلص دور القبيلة كرابطة اجتماعية ، ومع التحولات المدنية وتقليص دور مؤسسات المجتمع المدني ووجود صراعات أيدلوجية تمثلت في سعي إيران نحو تصدير الثورة وفي غزو أفغانستان من قبل الروس وفي العداء الإسرائيلي وفي التهديدات المحلية للحكومات العربية ...الخ.
ربما تقلصت أهمية الصحوة كرابط اجتماعي وحصن سياسي، وحدث مبالغة في استخدامها حتى أصبحت تطرفاً مزعجاً. في المستقبل ربما نستطيع النظر للأمر بصورة أكثر حياداً، لكن السؤال الذي أطرحه الآن أين توجهنا الاجتماعي الجديد الذي سيحفظ لنا توازننا؟ هل سيحدث فراغ نتيجة ضرب الرابطة الدينية المتمثلة في الصحوة؟ هل سنعود لإعلاء القبيلة؟ أم ماهو البديل؟
نحاول الإجابة في المقال القادم