د. خيرية السقاف
في مواقع التواصل يثير بعضهم موضوعات, ثم يأخذون في تبادل مواقفهم منها, وإبداء آرائهم عنها..
وحين تتابع ما يكتب هؤلاء ليس بهدف موافقتك, أو رفضك, أو حيادك منها, بل للوقوف على مدى فهمهم عنها, ومعرفتهم بأبعادها, وسلامة موقفهم منها, أو علَّته, فإنك تصاب بخيبة كبرى..
وقد كتبتُ, وناشدتُ قبلاً الباحثين في الشأن الاجتماعي, والنفسي, والنفسي الاجتماعي للتصدي باهتمام لما تبثه هذه المواقع, يكشف خبايا الفكر, والموقف, والحس, والسلوك الفردي, لأنهم سيجدون مادة خصية ثرية لدراسة جوانب عديدة في الشخصية الفردية, ومن ثم الجمعية لإنسان هذا المجتمع من خلال العامة وليس الخاصة, بحكم أنّ الإحصاءات التي يذكرها موقع «تويتر» تحديداً لعدد المسجلين فيه حساباتهم في العالم, تشير إلى أنّ أعلى منسوب لقائمتها هو من السعوديين, والسعوديات..
وهذا ليس مستغرباً, إذ نحن لم نتفوق فقط في هذا الموقع تسجيلاً, وحضوراً, وانشغالاً به, بل حضورنا فاعل, متقدم في كل ما يستجد من منافذ, ومنصات, وأجهزة, ومواقع حيث لنا سبق السَّبق إليها, والحضور فيها..
الحال تماماً كما السجناء الذين على فجاءة من غفوتهم فتحت لهم كل الأبواب فتراكضوا, ولم يعبأوا بالسقوط بين بعضهم, المتناكبين المنطلقين من عقالهم ..
أسوأ ما في الأمر أن تكتشف ما وراء غلالة الأخلاق التي كنا نتغنى بها, ومسالك الأدباء التي نتفاخر بنبلها, وطيب القلوب التي وُسِمنا بها, وما كنا سنتعرف حقائق ما وراء في عامة من نرى لولا هذه المنصات السافرة, السريعة, المتيحة..
حتى أدى الأمر إلى إصدار تنظيم رسمي يحد من التجاوز, ويقلم من شطحات النزوات النفسية..
من قبل تكلم هؤلاء في شأن منح «المقيمين» ردحاً من الزمن, أو «مواليدهم» الهوية الوطنية, ولم ينصفوا, وإنّ آخر ما يتداوله العامة الآن في شأن المجتمع, ما يتعلق بهوية «أبناء المواطنات من غير مواطنين», وعن تمكين المواطنين من الوظائف بالتخلص من «الوافدين»!! وكأنهم لم يعلِّمونا, ولم يعجنوا رغيفنا, ولم يشيدوا سقوفنا, ولم ينظفوا بيوتنا, ولم يزرعوا شوارعنا, ولم يطببوا أمراضنا, ولم يجاورونا وحدتنا, ولم يحفروا آبارنا !!,
وإنّ من الأخلاق أن نسدد, ونقارب في شأنهم, دون أن نجرح, ونجفو...
إنّ إحصاء نوعية الكلمات في كمية العبارات المتجاوزة للياقة الأخلاق, وصفاء الفكر, وسلامة النفس حين الحديث في هذا, سيجعلنا نصاب بدهشة, بل بحسرة على سنوات مضت كنا نظن أنّ كل الناس, كلهم قد تمكنت فيهم عصبة الأخلاق الحميدة, وتمثَّلت قواعد السلوك الحسن في أفعالهم, وتوطدت قيم الرفق في ألسنة قولهم, بل في أقلامهم, حتى إن كتبوا بلغة ركيكة, وعبارات مثلومة..
بعد الذي نمر به في هذه الموضوعات, عن هؤلاء العامة, ما يؤكد دعوتي لمختصِّي علم الاجتماع بمجالاته اللصيقة لأن يشمروا عن دورهم , ويُعمِلوا محاريثهم..
فالميدان الآن لهم, لمن منهم الباحث الجاد ذو التبصُّر, والتأمُّل, والغوص, والصيد, وللمنفذين الواعين ..
على الأقل لضبط هذا التدافع العشوائي, المفرَّغ من القيم.