عماد المديفر
أتحدث هنا عن التعاطي من الجانب الإعلامي والفكري والتاريخي والأكاديمي والتربوي والثقافي والتوعوي لحديث سيدي ولي العهد في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار». فعلى أهمية الشق الاقتصادي والاستثماري لمشروع «نيوم» الذي يعد نقلة نوعية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، والذي هو لُب المنتدى، وأس هذا الملتقى العالمي في نسخته هذا العام، إلا أن الأبرز والأكثر أهمية في مستقبل هذا الوطن العظيم الطيب الطاهر الأشم، وتحقيق أمنه واستقراره، والحفاظ فيه على مصالحه العليا هو -من وجهة نظري- ما ذكره سيدي عن «العودة» لما كانت عليه المملكة والمنطقة برمتها قبل عام 1979م، في إشارة مباشرة لمشروع «الصحوة» الشيطانية المدمرة التي عمّت بلواها المنطقة بالتزامن مع وصول «مطاوعة» الشر والإرهاب إلى الحكم في طهران، والذين أذكوا «الصحوة» ودعموها وتبنوها بالشراكة مع التنظيم الأم لجميع تنظيمات وأحزاب وجماعات الإسلام السياسي: التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. ولذلك تفصيل تاريخي وآيديلوجي مهم لعلي أعرج عليه في مقالة قادمة، غير أني ذكرت مصطلح «مطاوعة» هنا عنوة، إذ – وعلى خلاف ما يعتقد الجيل الحالي من الشباب- فقد استبشرت جموع الصحونج السعوديين حين وصول الهالك «الخميني» للحكم في طهران خيراً! وبارك بعضهم لبعض انتصار ما يسمونه بـ «الثورة الإسلامية» على «الإمبريالية» وحكم «الطغاة» و «عملاء الغرب».. معتبرين ذلك إشارة وشرارة لقرب سقوط دولتنا، وإقامة دولتهم الإسلاموية المتطرفة على أنقاضها.. ولم تكن المباركات والاستبشار بـ «الخميني» حكراً على الإخوان المسلمين.. بل شاركهم في ذلك التبليغيون «المنتسبون لجماعة التبليغ أو «الدعوة» كما يحبون أن يطلقوا على أنفسهم أحياناً.. بما في ذلك «جهيمان» نفسه وأصحابه، أو من يسمون أنفسهم زوراً وبهتاناً بـ «جماعة السلفية المحتسبة» وهم لم يكونوا في الواقع سوى أفراد في جماعة «التبليغ».. ولهذه التسمية أيضاً وقفة مهمة، خاصة إذا ما علمنا أن هذه الجماعة ذهبت للشيخ عبدالعزيز بن باز -عليه رحمة الله- طالبة منه «مباركتها» وأن تسترشد به، وبرأيه، وهو الذي اقترح إضافة لفظ «المحتسبة» على اسم هذه الجماعة بحسب ما شهد به الأستاذ ناصر الحزيمي في كتابه «أيامٌ مع جهيمان.. كنت مع الجماعة السلفية المحتسبة» عن هذا التنظيم الإرهابي، والذي كان هو أحد أعضائه انطلاقا من تجنيد التبليغيين له في الزبير، مرورا بالكويت، وليانتهاءً بالمدينة المنورة.
لقد التقط الإعلام الدولي مباشرة هذه الإشارة.. «عودة المملكة إلى ما كانت عليه.. الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم، وعلى جميع الأديان والتقاليد والشعوب»، بيد أن العديد من تلك الوسائل الإعلامية الدولية وعدد من المحللين والأكاديميين في جامعات ومراكز بحثية حول العالم، وخاصة تلك المعنية بالدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الغربية- والذين يرتبطون بشكل عضوي بمشروع «الشرق الأوسط الجديد» ويدورون في فلكه على مختلف جنسياتهم، من المغرضين وأصحاب الأجندات والعلاقات مع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ونظام الملالي وجماعات التطرف والإرهاب الإسلاموي من حركات الإسلام السياسي؛ سعوا إلى حرف كلام سموه عن مساره، وتجاهلوا قول سموه «العودة لما كنّا عليه قبل عام 1979».. مروجين بأن ما ذكره سموه يعد «اعترافاً بأن المملكة هي من تبنى التطرف والتكفير في وقت سابق».. ومدعين أن المملكة وهويتها التي قامت عليها قبل أكثر من 300 عام – في إشارة مباشرة لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومنهج السلف الصالح، بل وبعضهم يذكرها بالاسم علناً مطلقين عليها مسمى «الوهابية»- هي منبع التطرف والإرهاب، وقد كذبوا عارفين، بقصد محاولة الاستمرار في مشروعهم الخبيث وتبرئة شركائهم الملالي والإخونج، وانخدع بقولهم العديد من الجهلة ومن لا يعلم ماهية هذه البلاد وتاريخها وهويتها، ولم يتوقفوا عند هذا التزوير للحقائق والتاريخ، بل زادوا بأن شككوا بنجاعة عزم وإصرار سموه في القضاء على التطرف.. مروجين بأن «المملكة تعاني من مشاكل داخلية مع المتطرفين الذين هم نتاج (الوهابية)» بحسب زعمهم..
لذلك؛ فهذه المقالة كتبتها لأوضح مدى تقصير إعلامنا الخارجي، وأكاديميينا في شرح حقيقة تاريخ هذه البلاد، منذ بداية التأسيس قبل 300 عام إلى اليوم، ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب العلمية الإصلاحية، التقدمية، المفترى عليها، دعوة العلم والوسطية، والتي واجهها في ذلك الحين المتطرفون من الظلاميين والجهلة ومن ورائهم أرباب الجهل والظلام ممن أرادوا استمرار هذا الجهل العلمي للتحكم في العامة وخداع الجهلة باسم الدين وباسم الله -تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا- .. تماما كما تواجه دولتنا اليوم المتطرفين من أرباب «الصحوة» البدعية التي تمتطي الجهلة مرة أخرى باسم الدين وباسم الله! ولهذا الحديث الغاية في الأهمية بقية.. إلى اللقاء.