عبدالوهاب الفايز
العالم كان أمام حدث استثماري استثنائي..الحدث يستجيب للتطورات القادمة في صناعة الترفيه وتطبيقات ثورة صناعة الاتصالات وتقنية وخدمات المعلومات، والحدث كان (مبادرة مستقبل الاستثمار) التي أطلقتها واحتضنتها المملكة الأسبوع الماضي، حيث اجتمعت أهم الشركات والمؤسسات والعقول الرائدة علميًا وإقليميًا ومحليًا، والملتقى الذي استمر ثلاثة أيام وحضره أكثر من ثلاثة آلاف شخص، تنظيمه يدعو للإعجاب والتقدير لصندوق الاستثمارات العامة الذي رتب هذا التجمع العالمي الذي جعل المملكة لعدة أيام مصدرًا للأخبار والأفكار والتصورات التي استقطبت اهتمام وسائل الإعلام العالمية.
عبر هذا اللقاء جددت المملكة إطلاق رؤيتها للمستقبل، رؤية تتطلع إلى وضع بلادنا على خارطة العالم، كمحور جديد للتنمية وللسلام في المنطقة.. بل وفِي العالم، وكان قاطرة الاتجاه للمستقبل هو الإعلان عن بناء مشروع (نيوم) الكبير في الحلم، والكبير في الطموح، مشروع مصمم ليكون مسارًا يأخذنا للمستقبل، أو كما يقول سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (نريد المشروع قفزه حضارية للإنسانية)، وهو فعلاً بالتصور والأفكار التي سيقوم عليها، يشكل نقلة حضارية لبناء المشروعات التي تنطلق من روح وخيالات الأجيال الجديدة، وينجذب إلى معطيات الثورة التقنية التي تطرق الأبواب، التي تبدو كالأحلام، حيث عالم الروبوت والطائرات من دون طيار، والسيارات من دون سائق، والبيوت الذكية والتسوق من العالم الافتراضي!
من الأمور الأساسية التي تهمنا، وكنا نتطلع إليها هو ما يتعلق بضرورة إيجاد محاور جديدة للتنمية تضاف إلى محور الوسط، ومنذ خمسة عشر عامًا توسعت مجالات ومواقع التنمية في مختلف المناطق، وبدأت على محور جنوب البحر الأحمر من مدينة جازان الاقتصادية، والآن تتوسع مشروعات التنمية المستدامة الأساسية، وهي تشكل محورًا جديدًا للتنمية في شمال البحر الأحمر بدءًا من جامعة الملك عبدالله، ثم مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، ثم المدينة الصناعية العملاقة في ينبع، والآن يضاف جنوب جدة (مشروع الفيصلية) الذي سوف يوجد مدينة تتميز بالهوية الحضارية السعودية الإسلامية.
وسبق لصندوق الاستثمارات العامة الإعلان عن تطوير منتجعات سياحية على (أكثر من 50 جزيرة طبيعية بين مدينتي أملج والوجه، وذلك على بُعد مسافات قليلة من إحدى المحميات الطبيعية في المملكة والبراكين الخاملة في منطقة حرة الرهاة)، وسوف يشكل قيام المشروع وجهة ساحلية ترفيهية على عدد من الجزر البكر في البحر الأحمر، وقريب من المشروع آثار مدائن صالح المتميزة بجمالها العمراني وأهميتها التاريخية.
وهذا التوسع له بعده المحلي حيث سيوجد منطقة تتميز بمشروعات التنمية النوعية، وكذلك سوف يحفز مشروعات القطاع الخاص ويساعد على استعادة رؤوس الأموال الوطنية المهاجرة حتى تجد فرصتها الاستثمارية في بلادنا للمشاركة في إيجاد نماذج رائدة لمشروعات المستقبل. والأهم أن هذا المحور سوف يوفر فرص العمل والاستثمار لأبناء المناطق الشمالية وسكّان المدن الساحلية، وأيضًا يوفر الفرص الاستثمارية للمشروعات المتوسطة والصغيرة.
المشروع الجديد (نيوم)، إضافة إلى تنمية محور شمال البحر الأحمر، له انعكاساته الاقتصادية والجيوسياسية على المملكة والدول العربية.
إقليميًا، سوف يوجد منطقة محورية للاستثمار في ممرات النقل البري والبحري والجوي، وسمو ولي العهد في لقائه مع بلومبرج أوضح أن مشروع نيوم سوف ينشئ (طلبًا جديدًا وهذا سوف يساعد دبي وكذلك المواقع المحورية الأخرى في الشرق الأوسط). ويعتقد سموه أن هذه المنطقة سوف (تساعد دبي، والبحرين، وخصوصًا الكويت؛ إِذ سوف تصدر الكويت إلى أوروبا بشكل أسرع وأرخص من الآن وذلك عبر أنابيب وسكك منطقة نيوم إلى مصر - شمال سيناء - ثم إلى أوروبا).
أيضًا مشروع نيوم يدعم الدور المحوري الذي تقوم به السعودية مستثمرة ظروف الزمان والمكان، ومستثمرة عزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسمو ولي العهد لإطلاق مرحلة جديدة للتنمية، فالمملكة تستثمر مكونات الدولة بإمكاناتها الكبيرة التي لم تستغل، وأيضًا المشروع يقدم رسالة ثقة وأمل بالمستقبل، بالذات في منطقة دمرتها الحروب والماسي. كما أن دخول وإقبال كبرى الشركات العالمية المؤثرة في استثمارات المستقبل سوف يوجد منطقة حيوية للابتكار مدعومة بقدرة مالية، وبكفاءة الإدارة المحترفة.
إننا بحاجة لأن نستثمر إمكانات بلادنا، ومنذ سنوات بعيدة حينما نمر بالطائرة على السواحل الشمالية للبحر الأحمر كنّا نتحسر على إهمال هذه الشواطئ البكر، كما كنّا نتحسر حينما نرى شواطئنا العربية على البحر الأبيض المتوسط، من المغرب وحتى مصر خالية من الحياة، بينما الشواطئ الأوروبية مستثمر فيها كل شبر!