يوسف المحيميد
لم يتوقف الإعلام المحلي والعربي والعالمي عن نقل العبارات العظيمة التي أطلقها ولي العهد، بأننا سنعود إلى ما كنا عليه، سنعيش حياة طبيعية، تترجم ديننا السمح، وعاداتنا الطيبة، ونتعايش مع العالم، ونساهم في تنمية وطننا.
صدقت والله، السعودية لم تكن كذلك قبل عام 1979، السعودية والمنطقة كلها التهمتها مرحلة الصحوة، وعاثت بها، وعطلت سير التنمية في عدة مجالات، وسيطرت على التعليم العام لعقود من السنوات، وحاربت الاعتدال والتسامح، وكل الأشياء الجميلة، وقفت ضد الفنون، ولاحقت حضور المرأة في كل جانب، وهمشت دورها، واستخدمت كل الوسائل بحرية تامة، من الكتيبات وأشرطة الكاسيت، والصراخ العالي، وعلى كل من لم يتعاطف معها أن يتحمل نبذه ووصمه بالعلمانية، وجعلت من صبيانها سادة المجالس، يُخرسون بجهلهم أساتذة وخبراء ومن يحملون الشهادات العليا في مجالات تخصصهم، وإلا فليتحملوا الحرب الشرسة ضدهم!
لم يكتفوا بذلك، وإنما لاحقوا من يختلف عنهم، ويطالب بالتسامح والاعتدال والانفتاح على الثقافات، لاحقوهم حتى منازلهم وأسرهم، وتسللوا إلى الأسرة الواحدة، فعبثوا في تركيبتها، وفرقوا بين الأب وأبنائه، وبين الأخوة الأشقاء، وغرسوا بذور التطرف في مجتمعنا المتسامح، وصدق الأمير محمد حينما أشار إلى مجتمعنا قبل 1979، حينما كان مجتمعًا طبيعيًا ومتوازنًا، مجتمعًا معتدلاً، يدرك أمور دينه ودنياه، يسير بثبات نحو المستقبل، ويستثمر التنمية في جميع المجالات، حتى سقط في براثن التشدد بعد حادثة الحرم، التي جاءت بعد استيلاء المتطرفين في إيران على سدة الحكم بعدة أشهر، بثورة الخميني التي نادت بتصدير الثورة إلى الدول الإسلامية، وسجلت المجتمعات المحيطة حالة بائسة من التراجع والتشدد، حتى أصبحت تُقاس مكانة المرء ورجولته بما يضمر من تشدد وتطرف في التعامل، وأصبح المظهر وفق أوصاف محددة يقود إلى المخبر، وأصاب المجتمع حالة موت سريري امتدت لعقود من السنوات.
لقد سرنا ببطء وقلق ومعاناة طول عقود مع كل جديد، تعبنا من مطاردة التقنية وملاحقتها، حرمنا كل ما ييسر حياتنا ويجعلها أجمل، صحيح أننا كنا ننجح في النهاية، لكن ما يحتاج منا إلى بضعة أيام لإقراره والاستفادة منه، نقضي سنوات في جعل هؤلاء يدركون أهمية هذا الشيء الطارئ، منذ الأطباق اللاقطة والقنوات الفضائية، وحتى جوال الكاميرا... أما الآن، وكما يعد ولي العهد، لن يوقفنا أحد، وسنسير بثبات لتحديث مجتمعنا، واستعادة ما فقدناه في التنمية والاقتصاد، وتحقيق التوازن الاجتماعي والاقتصادي.