إبراهيم عبدالله العمار
سولون الأثيني، حاكم لا يوجد له نظراء كثيرون في كتب التاريخ.
اختير سولون وزيراً للعدل في القرن السادس قبل الميلاد في وقت اضطربت فيه اليونان اقتصادياً واجتماعياً، وأوكلت إليه مهمة إنقاذ الدولة واحتواء الخلافات، ولا عجب أن تظهر هذه الأشياء لأن اليونان كانت تئن تحت وطأة الظلم المقنَّن، وهذا ما أدركه سولون وما عمي عنه سلفه، فأبطل قوانين الديون الجائرة حيث كان المدين يفقد أرضه بل حتى حريته، فكان يباع في سوق العبيد إذا لم يسدد! قوانين أفقرت الناس وأسخطتهم وهيأت الجو للثورة على الطبقة الحاكمة، لكن الشعب لما نظر للمسؤول الجديد هدأ، فأحب الفقراء سولون لأنه نزيه صادق، والطبقة الثرية الحاكمة أحبته لأنه ذو مال.
جعل سولون نصب عينيه أهدافاً معينة، أبرزها العدل والاستقرار، فأبطل استعباد الناس المذكور، وحرر عبيد الدَّين، أتاح للطبقات الضعيفة التصويت في الانتخابات، أصلح العملة مما أنعش التجارة، أحكم المكاييل والمثاقيل في الأسواق (لهذه الدرجة كان دقيقاً أميناً!)، وضع قوانين تنظم شؤون المواريث وحقوق العامة وعقوبات الجرائم، وزيادة في الاحتياط فقد قصد سولون البرلمان اليوناني وأخذ منهم أغلظ العهود أن يقروا قوانينه وإصلاحاته وأن يدعموها ما لا يقل عن 10 سنين.
بعدها فعل شيئاً عجيباً لا نعلم أن له أي نظير: نفى سولون نفسه!
اشترى سفينته قائلاً إنه يريد رؤية العالم، ثم أبحر إلى منفاه الطوعي 10 سنين. لماذا فعل ذلك؟ السبب أنه يعرف أن قوانينه لن تُترك لحالها، وستصل إليه معاريض واحتجاجات لا نهاية لها لتغيير القانون الفلاني والعلاني، فهو بين نارين، فإذا وافق على طلب من بعض المواطنين أغضب هذا آخرين، وإذا لم يوافق غضب أصحاب الطلب، فنفى نفسه لأن القوانين لا يمكن أن تتغير إلا بموافقته، وهكذا اضطر الناس أن يطيعوا قوانين الوزير الغائب الذي أحسن وضع القوانين قدر الاستطاعة.
في كراسة ذكرياته كتب سولون عن نفسه: «كلما كبرت يوماً تعلمت شيئاً جديداً». وليت غيره يتعلم من حكمته وتواضعه، فطريقته تجاهله من خلفوه وقادوا اليونان لمصائب!