فضيلة الشيخ صالح بن غانم السدلان -رحمه الله- من العلماء الذين أفنوا أعمارهم في العلم تعلُّماً وتعليماً. والفقه في الدين من علامة محبة الله لعبده, وإرادة الخير له, قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» متفق عليه. وإنَّ في رحيل العلماء ثلمة لا تُسد, كيف لا يكون ذلك وهم الذين يبصِّرون الناس أمور دينهم, ويعلمونهم العلم النافع, ويضيئون لهم طريق الهدى والرشاد؛ لما ورثوه من علم شريف, وحازوه من قدر مُنيف, وفتحٍ لأبواب الخير, وإغلاق لأبواب الشر, ففضلهم كبير, ودورهم في المجتمع جليل, فهم أنفع الناس للناس.
ومن خيار العلماء الناصحين المربين في هذا الزمن فضيلة الشيخ صالح بن غانم السدلان - رحمه الله - لما له من جهود علمية وعملية, من تولي التعليم في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وإقامة الدروس العلمية في جامع الجوهرة بحي التعاون بالرياض, ومشاركاته الإعلامية في البرامج العلمية والدعوية وإفتاء السائلين.
ومن أعماله الخيِّرة تأسيسه مؤسسة صالح بن غانم السدلان الخيرية التي تقدم خدمات نافعة للمجتمع, وتوليه رئاسة مجلس إدارة المركز الخيري لتعليم القرآن الكريم وعلومه من عام 1414 إلى وفاته، وكذلك إشرافه على فرع جمعية البر بشمال الرياض.
ومن صفات الشيخ - رحمه الله - الكرم؛ فقد فتح بابه لاستقبال الزائرين وذوي الحاجات؛ فلا يتردد في نفعهم أو الشفاعة الحسنة لهم, مع رحابة صدر وتأنيس جليس بالفوائد والدعابة اللطيفة, التي تضفي عبقاً طيباً في المجلس. ومن صفاته الإحسان إلى المحتاجين, حتى وصفه بعضهم بأنَّه والد المساكين؛ فنال بصفاته الطيبة وأخلاقه الحسنة وعلمه النافع محبة في قلوب من عرفه من العامة والخاصة.
تتلمذ على الشيخ أجيالٌ كثيرون ممن درَّسهم في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, وتتلمذ عليه كثيرون في دروسه العلمية في المساجد, واستفاد من محاضراته ومؤلفاته كثير من طلبة العلم.
والشيخ صالح السدلان - رحمه الله - من العلماء الأوفياء لجيرانهم؛ فقد كان جارا لجدي مشاري - رحمهما الله - والعم إبراهيم والعم علي في حي سكيرينة بالرياض عندما كان الشيخ إماماً للمسجد القريب من منزل الجد؛ إذ كان يزوره في بيته حتى بعد انتقاله من ذلك الحي.
ومن وفائه أيضاً ما ذكره لي العم علي - حفظه الله - أنَّ الشيخ - رحمه الله - طلب منه الذهاب معه ليصلي على والدي في المقبرة؛ إذ لم يعلم بوفاته حينها؛ لما بينهما من علاقة وثيقة - رحمهما الله -.
وقال لي الشيخ عبدالله شقيق شيخنا صالح - رحمه الله -: «إن للشيخ صالح أعمالاً خيرية, ما علمنا بها إلا بعد وفاته، أُخبرنا بها» أ.هـ.
وهكذا هم العلماء والصالحون من عباد الله، لهم خبايا أعمال خيِّرة, فإذا ماتوا بان بعضها, كما هو حال سلف هذه الأمة - رحمهم الله -.
لقد عاش شيخنا صالح السدلان حياة ملأها بالنصح والتوجيه والتعليم والإفتاء ومساعدة المحتاجين إلى حين مرضه الذي توفي فيه فجر يوم الثلاثاء الرابع من شهر صفر لهذا العام، وصلِّي عليه بعد صلاة العصر في جامع الجوهرة بحي التعاون بالرياض, وصلَّى عليه سمو أمير منطقة الرياض الأمير فيصل بن بندر آل سعود - حفظه الله - وجمع من العلماء، وعلى رأسهم سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ - حفظه الله - ودفن في مقبرة شمال الرياض. نسأل الله أن يغفر له، وأن يدخله الجنة، ويرفع درجته فيها، وأن يجمعنا به فيها, وأحسن الله عزاء شقيقه وأبنائه وأسرته ومحبيه.
الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها
مَتى يَمُت عالِم منها يَمُت طرفُ
كالأرض تحيا إذا ما الغَيث حَلّ بها
وإن أبَى عاد في أكنافها التَّلفُ
** **
عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري - خطيب جامع بلدة الداخلة في سدير