د. خيرية السقاف
صداع, وليس من رأس لم يصب به أبداً..
بل كل جارحة في المرء تصاب به!!..
بدءاً فموسم الشتاء قادم, وتغيُّر المناخ قائم, فإرهاصات أمراضه تحوم حول الناس
وحين تقبض على رأس أحد فأوَّل ما يعتريه الصداع..
بيْد أنّ للصداع أنواعاً, ومنازلَ, فالقلب يصدِّع, والعين تفعل, والذّوق يصاب به, والسمع أيضاً لا يخلو من كمية صداع تثير فيه الطنين, وفي القلب الأنين..
صداع الرأس من لفحة هواء محمّلٍ بفيروسات مُعدية, مآله أقراص من المسكِّنات, أو زيارة للمصحّات.
وما يفتأ يأخذ دورته في الجسم منعّماً بين العروق, والأوردة, والعظم, واللحم..
وأمضاه ما يمسك بتلابيب الأعصاب..
والمرء لا يملك حيلة له حين يقتحمه بعُـدَّته, وعتاده, مهما توقَّـاه, فإنه سيتلقَّـاه, من «عطسة» مار, أو «كحة» مرافق, أو دعابة هواء مضمخ بأسبابه!!..
لكن للصداع مزايا, فهو يفتِّـق عن المبدعين مخيلاتهم, فيذهب الشاعر للقريض وهو يتأوّه من فرطه في حسِّه, ويذهب المتأمل لصوغ عباراته وهو بين قبضتي ألمه في جوفه, ويقتنص المبتكر خامتَه من فكرته!!..
وهم يوغلون تمادياً في مسارب الصداع حين يمسك بنياط القلب, فكم من نواح, وشجن, ودموع, ونحيب, وغضب, وآهات, وقلق, وحيرة, وسفر في الرحيل مع حداء الصداع في التلافيف الجوفية للنفس..!
فقرصٌ من مسكِّن في هذه الحال لا يجدي, ولن يكون للصداع نية في المغادرة , حين يكون الصداع داء الخيبة, والحسرة, والفقد, والبين, والحنين, والشوق, والفراق, أو العتب, واللوم, والندم, واليقظة من الغفلة, والخسارة, والفشل, أو اكتشاف نوايا, وبلوغ مكامن مكائد..
هذا الصداع قد يكون مطهراً ناجعاً على أية حال, في غالب الأحوال!!..
لكن أسوأ أنواع الصداع, حين يباغتك وأنت تخرج من بيتك مسروراً بتحية الياسمين, فتجد جارك قد زخرف الرصيف بنفاياته, أو ينتهي بك طريق, لتشاهد فيه ثلة من المتشاحنين يلفُّـون أطراف ثيابهم حول خاصراتهم, يتشابكون بالأيدي, وكل واحد له من يفزع له !!..
فالمَشاهِد غير الحضارية حين يصيبك صداعها, فلا مصحة, ولا دواء سيكون بلسماً لها البتة..!!