جاسر عبدالعزيز الجاسر
هيبة الدول ومقياس تقدمها لا ينحصر في مكانتها السياسية وقدرتها الاقتصادية؛ فقط إذ يحسب حساب كل قدراتها وقواها، حتى «القوى الناعمة» التي اصطلح على تسميتها كذلك كالتفوق الفني أو الثقافي أو الرياضي، وهناك دول مكانتها الدولية بسبب تفوقها في مجال كرة القدم كالبرازيل والأرجنتين، وهناك مكانة متقدمة للعديد من الدول بسبب ثرائها الفني من غناء ومسرح وتمثيل، ولإيطاليا مكانة متقدمة في الفنون بسبب ثروتها الفنية من اللوحات وتاريخها الزاخر بكبار الفنانين، وهناك دول تتميز بتفوقها الأدبي، وأخرى بتقدمها العلمي الذي يعوض تقدم دول أخرى عليها بسبب قواتها العسكرية، أو قدراتها الاقتصادية، اللتين لم تعودا مقياس تميز الدول سياسياً ودولياً، وهكذا تعمل جميع الدول على تحقيق مستويات متقدمة في كل ضروب العلم والاختصاص.
عند تسلم هنري كسينجر منصب مستشار الأمن القومي ووزير خارجية الولايات المتحدة عمل على رفع مستوى بلاده -أمريكا- في لعبة كرة القدم، إذ أعرب عن امتعاضه أن لا تكون أمريكا من بين الدول المتقدمة في اللعبة التي يعشقها العالم، وفعلاً عمل على استقطاب نجوم كرة القدم، وأنشأ نادي كوزموس في نيويورك، وأحضر أسطورة الكرة العالمية بيليه، ونجح في تمكين أمريكا من تنظيم بطولة نهائيات كأس العالم لكرة القدم، واليوم أمريكا مستواها أفضل بكثير من دول أخرى بما فيها الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن.
إذن لا يمكن التقليل من تأثير الرياضة والفنون والآداب لرفع مكانة الدول، بل إحدى دول الخليج عملت وتعمل على تعويض نقصها السياسي وتأثيرها الدولي من خلال العمل على التعريف بها ومشاركتها في تنظيم وشراء الأندية الرياضية العالمية. والمملكة العربية السعودية، الدولة العضو في مجموعة العشرين لأهم الدول الصناعية والاقتصادية، والدولة المرجعية للأمة الإسلامية، وموئل العرب والدول المحورية إقليمياً والمؤثرة دولياً، لم تكن تعطي هذه الاختصاصات الاهتمام المطلوب، مما شجع دولاً أصغر منها -ولا تقاس بإمكانياتها- للحلول محلها، بل وحتى مضايقتها، كما يحصل في نشاط كرة القدم في آسيا، حيث أدى تعاطف بل وحتى مساعدة المملكة لأشخاص تعدهم مواطني دولة شقيقة إلى «تنمر» أولئك الأشخاص، بل وحتى التآمر على مكانة المملكة العربية السعودية في مجال كرة القدم على الصعيد الآسيوي، ومن خلال «تربيط» المجاميع الانتخابية والطرق غير السوية بما فيها دفع الرشاوى ما أمكن للتضييق على الفرق والأندية السعودية، بل وحتى المنتخب السعودي لكرة القدم، وهؤلاء الذين وصفهم المستشار تركي بن عبدالمحسن آل الشيخ بأقزام آسيا، فعلاً هم أقزام، أساؤوا لبلدانهم قبل مضايقتهم للمملكة، فمهما كان نشاطهم لا علاقة له بتوجهات دولهم، إلا أن ذلك يجعل السعوديين مستائين -إن لم يكونوا غاضبين- منهم ومن دولهم.