عمر إبراهيم الرشيد
أشرت في مقالي السابق إلى الطفرة بفترتيها منتصف السبعينات كبداية للأولى، وغرة الألفية الثانية كانطلاقة للثانية، التي تواصلت لأكثر من عشر سنوات. على أن هذا التقسيم الزمني تقريبي أو نسبي وليس هناك فواصل زمنية تحدد تاريخاً بذاته للطفرة أو مدتها، والقصد هو حجم المشاريع والبناء ورؤوس الأموال المنفقة عليها وتعاظم وتيرة العمل، وهذه كلها مكونات ما يسمى بالطفرة. وذكرت أن الطفرة الثالثة حسب معطيات المرحلة الحالية انطلقت في عهد الملك سلمان حفظه الله، وهي ما سأحاول جهدي الإشارة إلى طبيعتها وتميزها عن سابقتيها. الطفرة الثالثة تتميز بكونها طفرة نوعية تسير وفق خطة تحول ورؤية شاملة (التحول الوطني 2020 والرؤية 2030)، كما أنها تركز على المشاريع النوعية وتلك التي تتطلبها المرحلة، والجودة في التنفيذ والإنفاق على حد سواء. عدا عن هذه الخصائص، فإن القطاع الخاص الدولي والمستثمر الخارجي أخذ دوره ولا يزال في هذه المرحلة، ولعل مشروع قطار الرياض (المترو) قد شهد هذا الحضور لأول مرة بهذا الحجم منذ الطفرة الأولى منتصف السبعينات كما ذكرت. ذلك أن الشركات الدولية المنفذة للمشروع تتوفر على سمعة دولية مرموقة، وسجل عريق في تنفيذ مشاريع البنية التحتية على مستوى العالم، وهذا ما ميز مشاريع المرحلة الحالية، إذا نظرنا كذلك إلى مشاريع المطارات كمثال، وغيرها من المشاريع الكبرى. وحين نذكر الشركات الدولية فلا ننسى الشركات الوطنية المميزة منها تحديداً، التي بالاشتراك والتعامل مع كيانات دولية حضرت بقوة إلى المشهد التنموي الوطني، تراكم من خبرتها وتبني قدرات موظفيها المواطنين وتصقل مهاراتهم، فتستفيد المملكة جودة نوعية في المشاريع وتتم عملية نقل وتوطين للتقنيات والخبرات وتبادل ثقافي إنساني حضاري مع تلك الشركات الأجنبية بقياداتها وخبراتها وموظفيها. وللتذكير فإن الطفرة الأولى شهدت حضور القطاع الخاص الدولي وشركاته بقوة، فتميزت مشاريع تلك المرحلة بالجودة في التنفيذ والإنشاء ومعظمها ما زال قائمًا بجودته وتميزه وكأنه أنشئ حديثاً.
قبل أيام معدودة أعلن ولي العهد وقائد الشباب عن مشروع ثان على البحر الأحمر شمال غرب المملكة، حلقة تربط المملكة بشقيقتيها مصر والأردن، في مشروع واعد برأسمال استثماري يصل إلى 500 مليار دولار، شراكة بين القطاع الخاص المحلي والدولي إضافة إلى حكومة المملكة عبر صندوق الاستثمارات العامة. مثل هذه المشاريع إنما هي تحويل للاقتصاد من معتمد على مصدر واحد للثروة الوطنية وهو النفط، إلى اقتصاد بعدة موارد أهمها رأس المال البشري وهو التحدي الذي تحسب له دول العالم التي تنشد القوة والاستقرار والرخاء ألف حساب، وكم يفخر كل منتمٍ لهذه الأرض الطيبة حين يعلم بتحقيق طالب سعودي اختراعاً أو إنجازاً علمياً في جامعة أجنبية مرموقة أو مركز بحث عالمي رصين. هؤلاء وطلبتنا في الداخل وشباب هذه البلاد على اختلاف تخصصاتهم ومهنهم المتخصصة منها واليدوية، وحتى من يمارسون عملا مهنياً أو تجارة حرة وغيرها، هم عماد هذه البلاد بعد الله تعالى للنهوض بها ومواجهة تحدي التنمية. وبعد، فهذه مجرد إضاءات سريعة وبما ما يسمح به المقام، حفظ الله هذه البلاد ورعاكم.