سعود عبدالعزيز الجنيدل
تتعدد أنواع الرُهاب أو الفوبيا، فهذا عنده فوبيا من الأماكن المرتفعة، وذاك فوبيا من ركوب المصعد، وآخر من صعود الطائرة. وكذلك توجد فوبيا اجتماعية، فبعض الناس عنده رهبة من المناسبات الاجتماعية، ويفضل العزلة بعيدًا عن مثل هذه الاجتماعات.
هذه الأنواع من الفوبيا معروفة لدى الكثيرين، ولن أتطرق لها هنا في هذا المقال المحدود كمّاً، ولكني سأتناول فوبيا آخر موجودة بكثرة عند طغمة من الناس، ألا وهي فوبيا التغيير.
نعم توجد فوبيا للتغيير، وهؤلاء الذين يعاونون من هذه الفوبيا يخسرون كثيرًا من مراحل حياتهم، ويفقدون فرصًا جمًا بسبب هذه الفوبيا.
سأعرض هنا أمثلة عدة على هذا النوع من الفوبيا، مع علمي يقينًا بوجود أمثلة كثيرة غيرها.
فوبيا التغيير الوظيفي
هذه الفوبيا تفرض على الموظف البقاء في وظيفته، وتضييع فرص أخرى كثيرة، فمع أن إمكاناته ومؤهلاته تتيح له الالتحاق بوظيفة مرموقة تناسب قدراته، إلا أنه لا يقدم على ذلك، ويحجم خوفًا من التغيير.
فوبيا الطلاق
هذه كذلك موجودة عند البعض، إذ يستمر في علاقته الزوجية مع أن كل المقومات والركائز التي يقوم عليه الزواج مفقودة، إلا أنه يستمر في الزواج لسببين: الأول من أجل الأولاد، وكما قيل «من أجل عين تكرم مدينة»، والسبب الآخر الخوف من التغيير والفشل مرة أخرى، ولهذا يعيش في دوامة المشكلات والأزمات التي لا يكاد يفلت منها، وهذا أمر خطير وله نتائج عكسية، وأعراض قد تؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها.
فوبيا التطور
هذا جد واضح في المجتمعات المحافظة «التقليدية» -سأفرد له مقالات خاصة- فلا يُقبل أي شيء جديد، ويُعَدُّ دخيلاً، وتتم محاربته لكونه قادمًا من الخارج فقط، هذا الخارج الذي يريد تدمير عاداتنا وتقاليدنا، وهذه الفوبيا تُشعرنا أننا نعيش مؤامرة تحاك علينا من الغرب الذي يريد جرنا إلى حياتهم وثقافتهم، وبالتالي يجب أن نكون سدًا منيعًا يقاوم كل هذه الأمواج العاتية.
سأكتفي بهذه الأمثلة، لكي نسلط الضوء عليها، مستخدمين مشرط النقد.
مما لا شك فيه أن الإنسان يخشى ولو قليلا مسألة التغيير، ويفضل أن يكون على نمط واحد، نمط ألفه، وتعود عليه، وبالتالي لا يحبذ تغييره، ولكن ماذا لو كان في التغيير مصلحة عظمى، هنا تكون المشكلة، فالتغيير ضرورة لتطوير الذات، أو لإنهاء وضع قائم وصل إلى طريق مسدود، فهنا يجب انخاذ القرار وعدم ترك فوبيا التغيير تتحكم فينا، لأنها ستضرنا كثيرًا ونحن لا نعلم ذلك، والمشكلة -كما أراها- أن المجتمع ذاته لا يشجع على التغيير، وكأن التغيير بعبع يجب علينا الخشية منه، ونعيش هذه الرهبة طيلة أيام حياتنا، ألم يقولوا مثلاً سار شائعًا وأصبحنا نردده من دون وعي منّا، وكأنه حقيقة علمية ثابتة: «خلك على قردك «قريدك» لا يجيك أقرد منه».
فهذا المثل يوحي لنا، أن التغيير أيًا كان مجاله، فنتيجته، ومآله الفشل الذريع.
قد نرى أشياء كثيرة حين نركز على هذه الفوبيا، وبالذات فوبيا التغيير، عندها قد تتفقون معي أو تختلفون، مهما يكن من أمر، المهم تقبل الرأي والرأي الآخر.