«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
قبل عقود عندما أنتجت إحدى شركات الإليكترونيات اليابانية أجهزة صغيرة، أصيب أصحاب الشركات المنتجة للأجهزة الكهربائية في دول الغرب بالدهشة والانبهار، بل وصل البعض منهم للإسراع في شراء عينات من مختلف أجهزة هذه الشركة اليابانية، التي لن أذكر اسمها هنا فربما رفضها الزميل مدير التحرير متصوراً أنها دعاية مجانية للشركة. مع أن هذه الشركة وغيرها من الشركات المنتجة للعديد من المنتجات المختلفة وفي مختلف المجالات، باتت لا حاجة لها للدعاية وحتى الإعلان. فهي فرضت نفسها مع الأيام وما زلت أذكر ما قاله إمبراطور اليابان عندما استسلمت أمبراطوريته لأمريكا. فبعد أيام اجتمع مع كبار قادة الدولة وقال لهم: نعم إننا استسلمنا وافقنا على كل ما جاء في نصوص الاتفاقية، لكننا سوف نغزوهم وكافة الدول من خلال منتجاتنا المختلفة. وما هي إلا سنوات وإذا باليابان تتربع بمنتجاتها المدهشة والمختلفة في مختلف أسواق أمريكا وأوربا والعديد من دول العالم. فهذا تلفزيون يناسب جيب المعطف تستطيع مشاهدة أفلامك الملونة وبرامج التلفزيون المحببة لك وأنت جالس في الحافلة متجهاً إلى عملك ويرافقك أينما ذهبت. وهذه أسطوانات رقمية عجيبة تنقل إليك كل ما احتفظت به من أغان أو أفلام أو معلومات، فجهاز «الهاي فاي» تديره إبرة تعمل بأشعة ليزر. وآلة كاتبة تنضد الحروف على كاسيت صغيرة بدلاً من الورق. وكانت أيامها ثورة في عالم التقنية وخطوات في طريق المستقبل.. وكاميرا صغيرة لا تراها تصور ما تحب تصويره دون أن يعلم بها أحد. كما كان يفعل جيمس بوند في أفلامه التي كشفت نشاطات «الجاسوسية» التي كانت تعتبر من الأسرار والأشياء التي لا يمكن تصديقها أو تصورها إلا في خيال روائي أو فنان سريالي مبدع. واليوم بتنا ومن خلال التقنية نتابع مختلف الأحداث والبرامج لحظة بلحظة وأنت في مكانك، مسترخ على الأريكة أو على «دوشق وثير» في استراحتك تتابع الأحداث وتغرد بتغريداتك على ما يعجبك أو ما تمخض به فكرك. من سحر البيان.. بالأمس القريب كنت أتابع وقائع الزيارة التاريخية لمولاي خادم الحرمين الشريفين، من خلال هاتفي الذكي وأنا جالس في صالة الانتظار في المستشفى الخاص منتظراً دوري لاستلام (أدويتي) الشهرية. وما كنت أشاهده كان الملايين في العالم يشاهدونه بإعجاب وتقدير وإكبار. ولم يتسمروا في أماكنهم أو في بيوتهم وهم جالسون أمام شاشات التلفزيون، في انتظار ما سوف يعرض عبرهمن حدث مهم لمشاهدته أو الانتظار لعدة ساعات ليصلهم كخبر «بايت»، كان ذلك في الماضي، أما اليوم فكنا نشاهد الزيارة التاريخية لحظة بلحظة. وهذا الحدث الذي نقل إلينا مباشرة من موسكو كان يصلنا ساخناً وشهياً ولذيذاً مثل لذة تناولنا للخبز الساخن من الفرن. والبركة فيما أنعم الله به على البشرية من نعم عديدة، جعلتها قادرة على مواكبة كل جديد ومفيد. وكل يوم تقدم لنا الشركات المنتجة في دول العالم التي تميزت بإنتاجها التقني العصري أشياء جديدة ومتطورة.. وبفضل التقنية التي نحملها في جيوبنا، رغم أنها راحت تشاركنا في خطف جزء كبير من ميزانية كل واحد منا قيمة فواتير هواتفنا الذكية والحق إنها ذكية جداً. فهي تسحب يومياً مئات المليارات قيمة وجودها في هذه الجيوب.. أليس كذلك..؟!