محمد آل الشيخ
الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى المملكة، وإنشاء المكتب التنسيقي السعودي العراقي، تعتبر في تقديري خطوة تاريخية، وذكية؛ فمن خلال البوابة السعودية سيعود عراق العرب إلى حضنه العربي.
ويبدو أنّ الرئيس العبادي شعر أنّ إيران مستهدفه من قِبل الرئيس الأمريكي ترامب، وأنّ سنوات عجاف مستقبلية تنتظرها، فانتهز هذه المناسبة بذكاء للعودة إلى عرينه الأصلي الأصيل، بعد أن رمى به رئيس الوزراء العراقي السابق «نوري المالكي» في الحضن الإيراني، وحاول بكل قوة أن يلغي كل ارتباطاته وانتمائه العربي، وفي المقابل يُوطد علاقاته بإيران.
الأغلبية الساحقة من العراقيين، شيعة وسنّة، وكذلك كرد، لهم كثير من التحفظات على ممارسات إيران الطائفية الفئوية في الداخل العراقي، التي من خلالها أضعفوا اللحمة الوطنية، والانتماء القومي، لمصلحة تكريس النزعات الطائفية، وكما تقول كثير من المؤشرات فإنّ العبادي يعمل بخطوات متزنة، ويدرك أن لا خيار له لبناء عراق ما دمرته الحروب في الداخل العراقي إلا بالاعتماد على إخوانه العرب؛ فإيران عدو تاريخي للعرب كما هو معروف، كما أنها في ظل الحصار الاقتصادي، وتزايد العقوبات عليها مستقبلاً، لن يكون في مقدورها - حتى لو أرادت - القيام بهذه المهام التي تتطلب مبالغ مالية ضخمة، واستراتيجية ترامب الذي أعلن عنها قبل أيام، تشير إلى أنّ العمل الجاد على تقليم أظافر إيران سيبدأ في أي لحظة، للحد من (عربدتها) وتدخلاتها في شؤون دول المنطقة، لذلك كله رأى العبادي بحكمة الزعيم المحنّك، أن يبادر وينأى بالعراق عن إيران، بهدوء وبخطوات محسوبة بذكاء، حيث ليس بإمكان العراق المثقل بجراح الحرب الأهلية بين فئاته، والذي يعاني من عداوات مكوّنات شعبه، أن يبقى مع إيران في ذات الخندق، ويواجه الولايات المتحدة. لذلك فإنّ توقيع مذكرات التعاون بين المملكة والعراق في مجالات مختلفة، يمكن النظر إليها من زاويتين: إحداها أنّ العراق يمارس حقاً سيادياً محضاً، بتوقيعه تلك الاتفاقيات مع المملكة، وبالتالي فلن تستطيع إيران ولا المحسوبون عليها من العراقيين أن يبدوا أي اعتراض. الزاوية الأخرى أنّ وزير الخارجية الأمريكي تليرسون كان من ضمن حضور مراسم التوقيع على الاتفاقيات، في رسالة لإيران أنّ العبادي ليس وحده، وأنه يحظى بمباركة أمريكية. طهران ستخسر العراق حتماً، فليس في مقدورها مواجهة العبادي وهو يحظى بمباركة دولة عظمى، كالولايات المتحدة، فضلاً عن أنّ الإيرانيين لا يقاتلون مناوئيهم مباشرة، وإنما من خلال آخرين.
وعلى أية حال لا يمكن فصل توقيت الزيارة عن توقيت إطلاق الرئيس ترامب استرتيجيته تجاه إيران، فقد جاءت زيارة العبادي للمملكة بعيد أن كشّر الرئيس ترامب عن أنيابه، وبحضور وزيرخارجيته، ما يجعل القضية تم الإعداد لها من قِبل العبادي بعناية وذكاء.
والسؤال: ماذا في يد الإيرانيين فعله؟.. في رأيي أنّ قدرتهم على الحركة في غاية المحدودية، حتى أذنابهم في العراق سيفكرون مرات ومرات قبل أن يتخذوا أي إجراء، لأنّ الطرف المقابل ليس الرئيس الآفل أوباما، وإنما رجل إذا قال فعل، كما حصل للسوريين في (خان شيخون).
العراق الذي استغل الإيرانيون أذنابهم هناك، ليس بإمكانهم أن يستعملوهم ضد أمريكا ترامب، فضلاً عن أنّ تدخلات إيران في الشأن العراقي بهذه الطريقة الفجة، ينظرون إليها بكل ريبة، وعدم اطمئنان، الأمر الذي ينتزع من الإيرانيين أية قدرة عملية في مواجهة التقارب السعودي العراقي. وفي الوقت نفسه فإنهم يدركون تمام الإدراك أنّ اتفاقيات الرياض ستحد من قدرة أزلامهم على أن يفعلوا شيئاً.
إلى اللقاء ..