«الجزيرة» - محمد السنيد:
تتميز المملكة العربية السعودية برقعة جغرافية عملاقة، تمتد إلى أكثر من 2 مليون كيلومتر مربع، كما تتميز بموقع استراتيجي يربط ثلاث قارات هي آسيا وأوروبا وأفريقيا، إلى جانب إطلالتها على البحر الأحمر بساحل يمتد إلى 2400 كلم إلى الغرب منها، وإطلالتها على الخليج العربي بساحل بامتداد 1000 كلم إلى الشرق منها.
من هنا، أدرك الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- أهمية تسيير قطار من مدينة الدمام في شرق المملكة إلى عاصمتها الرياض في الوسط. وبهذا أمر -يرحمه الله- في 1945م بتنفيذ مشروع قطار (الدمام- الرياض) الذي ساهم بشكل كبير في تدفق الحركة التجارية ونقل البضائع وتسهيل نقل المسافرين، منذ انطلاقته في العام 1951م.
تلا ذلك تأسيس المؤسسة العامة للخطوط الحديدية في عام 1966م، واستمرت خطط التنمية ومعها برزت الحاجة إلى افتتاح الميناء الجاف بمدينة الرياض في العام 1981م، ويأتي اليوم دور القطاع الخاص للنهوض بهذه الصناعة التي تحفل بفرص استثمارية هائلة، كما تحظى بفرص مثالية لتوطين الوظائف وما يتعلق بالخطوط الحديدية من صناعة مهمة بشكل عام، وبما يحقق رؤية المملكة 2030.
ومع التطور الذي شهدته المملكة واستمرار نموها الاقتصادي والتجاري، إلى جانب النمو الكبير لصناعة البتروكيماويات، وازدهار صناعة التعدين التي باتت تشكل الركيزة الثالثة للصناعات السعودية، والحرص على تنويع مصادر الدخل، جاءت الحاجة إلى تطوير بنية تحتية كفيلة بتقديم النقل كرافد وداعم لهذا التطور، ومعها كان لزامًا أن يتطور النقل عبر الخطوط الحديدية.
ثم جاء تأسيس صندوق الاستثمارات العامة للشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار) لتتولى تنفيذ وإدارة وتشغيل خط الشمال الذي يربط شمال المملكة بشرقها ووسطها في العام 2006م، الذي أكد وعي الحكومة الرشيدة بالقيمة الاقتصادية العالية للخطوط الحديدية، وأهميتها لاستكمال البنى التحتية التنموية الواجب وصولها إلى مختلف مناطق المملكة بما فيها شمال الوطن والمدن التي تقع على هذا المسار. كما بدأ تشغيل خدمات خط نقل الفوسفات الخام من مناجم حزم الجلاميد في منطقة الحدود الشمالية إلى مناطق المعالجة والتصدير الخاصة بشركة معادن في مدينة رأس الخير التعدينية في العام 2011م ليكفل دعما لوجستيا، ويعزز حضور النقل السككي كرافد مهم للاقتصاد الوطني. كما تزامن هذا مع الحرص على انطلاق قطارات البوكسايت الناقلة للمادة الخام من مناجم البعثية في منطقة القصيم إلى مرافق المعالجة والتصدير في مدينة رأس الخير التعدينية، والتي انطلقت بكفاءة كاملة منذ العام 2014م.
وتوالت الإنجازات في قطاع الخطوط الحديدية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين، بفضل الدعم اللامحدود للحكومة الرشيدة، حيث جاء قرار مجلس الوزراء بأن تكون الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار) المالكة للبنى التحتية لمشروعات النقل للخطوط الحديدية بين مدن المملكة، وما تلاه من إنجاز تمثل في اكتمال مشروع ربط مدينة وعد الشمال بخط الشمال خلال العام الجاري 2017م، كما أطلقت (سار) المرحلة الأولى من قطار الركاب الذي يربط الرياض بالقصيم مرورًا بالمجمعة في فبراير من العام الجاري 2017م.
ومن خلال وعي حكومة المملكة بالدور المحوري لقطاع الخطوط الحديدية، ودوره المستقبلي المهم في المساهمة الفاعلة لتحقيق رؤية المملكة 2030، نظرًا إلى صلته الوطيدة بدعم الجوانب اللوجستية والمساهمة المباشرة في دعم الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، برز دور هيئة النقل العام كجهاز إشرافي وتنظيمي لقطاعات النقل الثلاثة البري والبحري، ومعها النقل السككي بالخطوط الحديدية.
في ضوء كل هذه التطلعات، عملت هيئة النقل العام من خلال قطاع النقل السككي على تنمية وتطوير جميع الأسس التنظيمية الكفيلة بالارتقاء بمشروعات النقل السككي وخدماته المقدمة في المملكة، مع العمل على تهيئة البيئة المناسبة والجاذبة للاستثمار فيه وفق أدق المعايير الدزلية، وبما يضمن خدمات مميزة وبأسعار منافسة.
واليوم، وفي ضوء ما توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله- من اهتمام ودعم لا محدود لقطاع النقل بشكل عام، وقطاع الخطوط الحديدة بشكل خاص، أصبحت خدمات النقل السككي من أهم الأذرع اللوجستية في الجانب التنموي، كما وصلت بخدماتها إلى الآلاف من مستخدميها من المواطنين والمقيمين.
ومع تزايد القيمة الاقتصادية للخطوط الحديدية، عملت المملكة على تطوير شبكتها للربط بين المدن السعودية في مختلف المناطق، حيث تتكون شبكة الخطوط الحديدية من تلك التي تمتد بين مدينتي الرياض والدمام، ويتكون من خطين رئسيين هما خط (الدمام- بقيق- الهفوف- الرياض) بطول يبلغ 449 كيلومترا، وهو مخصص لنقل الركاب، كما يمتد خط حديث يربط بن الرياض والقصيم، مرورًا بالمجمعة، بطول يصل إلى 370كلم.
وفي جانب النقل اللوجستي المتعلق بنقل المعادن وشحن البضائع، يمتد خط لنقل المعادة من المنطقة الشقية إلى (وعد الشمال) بطول يتجاوز 1600كلم، كما يمتد خط (الدمام- بقيق- الهفوف- حرض- الخرج- الرياض) بطول يبلغ 556 كيلومترا، وهو مخصص لنقل البضائع والشحن على اختلاف أنواعه.
ويستمر عمل هيئة النقل العام اليوم مع مختلف شركائها في قطاع الخطوط الحديدية لتعزيز الحضور الوطني الشامل لهذا القطاع، حيث يتجاوز الرقم السنوي للمسافرين بالقطارات في المملكة 1.3 مليون مسافر.
وفي الجانب اللوجستي والاقتصادي، تجاوزت كميات المعادن المنقولة كالفوسفات، والبوكسايت 26 مليون طن، كما بلغ عدد الحاويات المنقولة في خط المؤسسة العامة للخطوط الحديدية أكثر من 670 ألف حاوية في العام الواحد، الأمر الذي يؤكد حرص الهيئة وشركائها في هذه الصناعة المهمة على تحويل المملكة إلى مركز لوجستي عالمي، طبقا لرؤية المملكة 2030.