إبراهيم عبدالله العمار
فاوض يابانياً أو صينياً. ثم فاوض أمريكياً أو بريطانياً. لاحظ الفرق الشاسع!
كتاب «جغرافية التفكير» للعالم ريتشارد نيسبت يوضح بعض الفروق العميقة بين تفكير الغربيين والآسيويين، وقبل رؤية الفرق يجب أن نعرف شيئاً: المناظرات معدومة تقريباً في آسيا اليوم. اذهب للصين القديمة ثم اليوم وستجد نفس التفادي للجدال والمناظرة، وهذا عكس ما يرضعه الأمريكي من اعتداد برأيه والدفاع عنه، وتراه في فقرة شهيرة من الأنشطة الدراسية هناك اسمها «أرِنا واشرح Show and tell»، وفيها يُحضِر الطفل شيئاً من المنزل ثم يريه المدرس والطلاب ويشرح لهم، مثلاً: هذه لعبتي الروبوت وهي ممتعة بسبب كذا وكذا. لكن الحياة الآسيوية لا تمتلئ بالجدال والمتاجرة بالآراء، ولهذا ففكرة «المناقشة الحيوية» التي يعشقها الأمريكان معدومة في آسيا، وقد تأكّد هذا لدى أحدهم ممن حاول استضافة حفل في منزله يحضره أناس ليتناقشوا مناقشات حماسية حيوية مع الطعام والشراب. تبدو جلسة ممتعة، واختار المضيف فقط اليابانيين الذين يعرف أنهم يحبون مثل هذه الاجتماعات النقاشية على الطراز الأمريكي، يحبون الستيك وفطيرة التفاح وغيرها من الرموز الأمريكية، لكن تلك السهرة فشلت، لأنه حتى هؤلاء لما وصلوا فضلوا عدم النقاش الساخن ورفضوا إبداء آرائهم والدفاع عنها!
هذه المبادئ تمتد للقانون، فالآسيوي لا ينظر للقانون كما ينظر له الغربي أي نزاع بين متخاصمين، ولا يحاول تطبيق مبدأ قانوني محدد لفض النزاع، بل الآسيويون يحتكمون لدى وسيط يحاول ليس القضاء، بل التوفيق.. إلى تهدئة الوضع وتقليل حدة الخلاف، ويرى الآسيوي أن القانون والقضاء بمفهومه الغربي جامد وعديم الشعور، ومن طرائف هذه الفروقات ما يحدث بين الثقافتين إذا تنازعتا، منها قصة «عقد السكر» في السبعينات الميلادية، ذلك أن شركات تنقية سكر يابانية تعاقدت مع موردي سكر أستراليين لخمس سنين بسعر 160 دولاراً لكل طن سكر، لكن ما أن وقّعا العقد حتى هبطت أسعار السكر عالمياً، وهنا طلب اليابانيون إعادة مناقشة العقد (وهو المعروف لديهم)، غير أن الأستراليين رفضوا وقالوا إن العقد ثابت بغض النظر عن أي ظروف أخرى. لم يكن هذا نزاعاً قانونياً بقدر ما هو ثقافي.
لذلك لا تفرح إذا كنت تتعامل مع آسيويين ورأيتهم يرضخون لك أثناء المفاوضات. إنه ليس ضعفاً، بل رأيهم أن المفاوضات جزء من علاقة طويلة المدى، عكس الغربي الذي يحاول عصر كل قطرة منفعة من كل صفقة.