د. محمد عبدالله الخازم
ضمن مفاجأة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أعلن عن مشروع نيوم، وهو امتداد للمشروعات العملاقة التي يفاجأنا بها سموه كل فترة. لست جيدًا في الأرقام أو تقنيات المستقبل، لذا ابتعد عن تكرار ما يكتبه أهل التقنية والاقتصاد في حجم المشروع وعائداته الرقمية الكبرى. اكتفي بالتقاط إيجابيتين كبيرتين للمشروع، ثم ابعث رسالة لا أعتقد أنه يمنع قولها في زمن الشفافية والانتقال إلى عصر المستقبل.
الإيجابية الأولى جيوسياسية فالمثلث الذي يقع فيه المشروع يعني أننا التفتنا لشراكات حدودية كبرى تستحق مزيدًا من الاهتمام. تحديدًا نحن ننتقل لصنع محور اقتصادي جديد وكبير جدًا؛ محور السعودية، الأردن، مصر وربما دول أخرى لاحقًا كالسودان أو العراق. قوة اقتصادية وبشرية وجيوسياسة كبرى تبعث رسالة إلى أننا نتجاوز الضلع الشرقي بنزاعاته وقلقه السياسي الذي لا ينتهي. نحن نوازن قوانا بين الشرق والغرب وهذا ذكاء سياسي لأن التقارب الاقتصادي هو الأساس ولأن أحاديث الوحدة والتعاون مجرد أحلام دون مشروعات على الأرض تعمق المصالح والمصير. الذكاء في عدم الحديث عن الجانب السياسي لا يعني إغفاله، ولكن الحكمة صنع الواقع الميداني أولاً وهذا ما سيسهم فيه نيوم...
الإيجابية الثانية تتمثل في تنمية الأرض والإنسان فالمنطقة الشمالية الغربية تشكل مساحة كبرى من وطننا وتمتاز بميزات طبوغرافية مهولة، لكنها في نفس الوقت ذات كثافة سكانية قليلة. مشروع نيوم سيسهم في لفت البوصلة تجاهها لصنع تنمية موازية لما هو موجود في مناطق أخرى.
نتفهم أن ما طرح يمثل رؤية والتفاصيل ستأتي تباعًا. هي رؤية عظيمة إحياء منطقة المشروع، وتأهيلها اقتصاديًا وسكانيًا.. وعادة يصبح مطلوبًا عقب طرح أي رؤية إستراتيجية التفكير بصوت مسموع حولها. من هذا المنطلق أشير إلى ملاحظات أو أمنيات على هامش هذه المشروعات العملاقة:
أولاً: أطمح في ألا تكون نيوم مدينة أو منطقة منعزلة عن باقي أجزاء الوطن، ومدنه التقليدية. نريدها أيقونة مرتبطة ببقية المناطق عن طريق المواصلات وعن طريق تكامل مشروعات التنمية.. إلخ. نيوم ستكون محور التقاء عالمي وقبل ذلك لا بد أن تكون محور التقاء محلي يصلها القطار والسيارة والطائرة من مختلف أرجاء الوطن.
ثانيًا: نحتاج تطوير أنظمتنا المحلية والوطنية الإدارية والقانونية بالذات في الجوانب التشريعية والرقابية، لا أن نضع قوانين خاصة متطورة لمدينة واحدة فقط. لا نريد أرامكو أو كاوست أخرى منعزلة عن بقية مدننا ومؤسساتنا الأخرى بقوانينها وتركيبتها التنظيمية والاجتماعية. هناك من يرى الاقتصاد يتبعه التطوير الإداري، لكن تزامنهما يبعث اطمئنان أكبر لدى المستثمر والمواطن والمراقب على حد سواء.
ثالثًا: وربما يعتبره البعض هوسًا مني أكرره مع كل مشروع يطرح، البيئة أرجو أن نضع لها ألف حساب. منطقة نيوم هي منطقة بيئية بكر كما قال عنها سمو ولي العهد وأحد أهداف المشروع هو بيئة مميزة... أول التميز اللبيئي يأتي بالحفاظ على كل شجرة وجبل وجزيرة ورمل كما هي قدر الإمكان. لقد تعودنا هدم الجبال وقطع الأشجار وجرف الرمل وردم الوادي لبناء الكباري والمباني والطرقات.... نريد تجنب ذلك في نيوم.