د. محمد عبدالله العوين
ليسجل التاريخ بأحرف من نور أننا في يوم الثلاثاء 4 صفر 1439هـ الموافق 24 أكتوبر 2017م بدأنا اقتحام حداثة العصر بعنوة ودون تردد، وأننا بدأنا التعايش المنفتح مع حضارات العالم منطلقين بثقة تامة من تكويننا المتين وتأسيسنا العميق على قيم التسامح والمحبة والخير والسلام التي غرسها فيها ديننا الإسلامي الحنيف ومعطيات أصالتنا العربية وما تزخر به من إبداع عظيم وعاطفة سامية وشهامة مشهودة وفروسية نادرة ونبل وكرم واعتزاز عميق بالذات.
لقد نقلنا سمو الأمير الشاب العبقري حفيد المؤسس محمد بن سلمان من مرحلة إلى مرحلة؛ لا.. بل من عصر إلى عصر؛ حين أطلق كلماته القوية والواعية والواثقة العميقة في معانيها الدينية والوطنية وفي دلالاتها الحضارية الإنسانية حين افتتح الجلسة الأولى للمؤتمر العالمي «مبادرة مستقبل الاستثمار» الذي احتضنته الرياض في الفترة من 24 - 26 أكتوبر بحضور 2500 متحدث من أكبر رجال الأعمال ورواد الإبداع الصناعي والتجاري من دول العالم كافة.
ويمكن للمتأمل الدقيق في نظرته إلى برنامج هذا المؤتمر الحافل بالدراسات والرؤى والأفكار التطويرية والمبادرات القيادية الإستراتيجية العظيمة كمبادة مدينة «نيوم» مثلا أن يضع كل ذلك التطلع الرائع للنهضة السعودية القادمة في كفة وما أطلقه الأمير الشاب عن «تدمير الصحوة» في كفة أخرى!
قال الأمير محمد بوعي عميق بدلالات الكلمة ما لم يستطع أحد قوله أو التعبير عنه منذ زمن طويل، قال ما تمنى كل وطني مخلص محب لهذا الوطن أن يقوله أو يكتبه؛ لكن الوجل من تكالب سهام التطرف منع كثيرين فأحجموا وصمتوا وأصبحوا مراقبين للمشهد الفكري المضطرب المتداخل المستلب من تيار ما سمي جزافا بـ»الصحوة» أربعين عاما دمر فيها جيلاً كاملاً أو يزيد، وعطله عن الإسهام في نهضة وطنه وحرمه من الاستمتاع بمباهج الحياة، وزج بآلاف ممن اختطفهم إلى محارق الحروب والفوضى.
عاش من أعمارهم اليوم فوق الخمسين إلى الستين رجال ونساء ما يقرب من أربعين عاما إما في حالة من اضطراب الرؤية والشك والارتياب والتردد وازدواجية الشخصية مجاملة للواقع المتزمت أو حالة من التجارب الفكرية المتضادة المتنقلة من تزمت وغلو وتطرف ثم تمرد على ما استجاب له وتأثر به بتسلط عوامل استقطاب متعددة؛ كضعف في الثقافة أو صغر في السن أو حداثة تجربة في الحياة؛ قاد ذلك كله فئة أخرى من هذه الشريحة أن تتمرد على ما خضعت له وسارت وراء خلب أفكاره ودعاواه سنين طالت أو قصرت وتبدأ في التمركز إما في الصف الآخر الناقد بخفوت صوت أو بالتزام الصمت إلى أن تتاح فرصة فرج قادمة كما أتيحت اليوم ولله الحمد.
اليوم يستعيد الوطن حالته الطبيعية التي نشأ عليها، ويبدأ من جديد في التعبير عن ذاته الإنسانية التي تستمتع بالحياة والانفتاح على حضارات الدنيا وإبداع الإنسان، يعود هذا الوطن العزيز إلى الاستمتاع من جديد بمباهج الحياة التي حرمه منها الغلو؛ حرمه من التعبير عن ذاته بالغناء والموسيقى والمسرح والسينما والمعارض والتواصل مع الإبداع الإنساني بمختلف ألوانه، حرم المرأة والرجل على السواء من حقوقهما المشروعة في الحياة وحجزهما عن إظهار ما يكنزانه في داخلهما من صور الإبداع العقلي والفني.
بكلمات قطعية حازمة جاهزة للتنفيذ والعمل اختصر علينا الأمير محمد بن سلمان المشوار الطويل الذي قطعناه في بناء نهضتنا السعودية منذ عام 1319هـ إلى اليوم.
كم صبر ملوكنا -رحمهم الله- وقاوموا دعاة الغلو والجهلة وقاصري الوعي، وكم تعاملوا بحكمة ولين حينا وبقوة وحزم أحيانا أخرى لتكوين وطن منفتح متسامح قوي متوثب لأداء دوره المشروع في قيادة العالمين العربي والإسلامي والإسهام في الحضارة الإنسانية بما يملكه من إمكانات تاريخية هائلة تمكنه من أداء دوره المنتظر في التأثير والتغيير والبناء.
حان الآن وقت الحزم والعزم على بتر قوى الظلام وتدمير مخلفات أربعين عاما من استلاب وإضعاف وتعطيل قدرات الوطن على النهوض وتطلعات أبنائه إلى الحياة بصورة طبيعية كان آباؤهم يعيشونها ثم اختطفها منهم تيار الصحوة المزعوم.