د.عبدالعزيز الجار الله
ماذا يحدث في السعودية؟ هو السؤال الأكثر تداولا، لا أقول في العالم بل في السعودية في الداخل، لأننا عشنا على التطوير المتدرج ولَم نعتد على القفزات الرأسية العالية، كانت قفزاتنا أفقية متطامنة نسميها التنمية الشاملة، حتى الطفرة التنموية الأولى منتصف السبعينيات الميلادية كانت بواكيرها اعتصرتنا واعتصرناها وتمت الولادة بكثير من الألم والنحيب لكنها كانت بالنهاية أعراس خصبة توالدت منها المدن السعودية الحديثة.
مشروع (نيوم) مازال على ورق وخطط وحلم يولد داخل حلم وكما قال صاحب الحلم ولي العهد الأمير محمد هذا المشروع للحالمين وليس للاستثمار التقليدي، لكن الأهم في مشروع الأمير محمد أنه أدار ووجّه الدفة والضوء الاستثماري والإعلامي إلى البحر الأحمر إلى شواطئ البحر التي تتجاوز أطوالها 2600 كيلو متر ورماله وخلجانه ونفطه وغازه وتهامة أرضه، وأشم وشفاء مرتفعات جبال مدين وهضاب حسمي، وجسور البحر إلى أرض كنانة العرب مصر، وإلى يابسة أرض الشام الأردن، وإلى خليج عقبة العرب في لسان البحر الأحمر.
خطاب الشباب كان الأبرز لمشروع (نيوم) حين وجّه الأمير محمد حديثه للشباب الذين يشكلون 70 % من سكان السعودية لذا تسمى بلادنا بالدولة الفتية لأن أعمار سكانها في دورة الشباب وهي كذلك في شباب سكانها وإقتصادها وطموحها، وأرضنا مازالت بكرية لم يستثمر فيها سوى آبار نفط في شرقي البلاد تشاركنا به دول الخليج وإيران والعراق وربما دول آسيا الوسطى من خلال الطبقات العابرة للدول والقارات، أما شواطئ البحر الأحمر فهي خالصة لبلادنا التي لم نستثمر على أرضها -لا باطنها - إلا الشيء القليل من: البحار، شمسها الساطعة والمشمسة، جبالها التي تمتد بطول جزيرة العرب، وهضابها التي ساعدت في تدرج سطحها، وبحر رمالها التي شكلت القوس في الغطاء الرسوب والربع الخالي الذي يعنى ربع مساحة بلادنا، وأوديتها الأخدودية والسطحية التي تستوعب السيول الجارفة، هذا التنويع البيئي هو الذي قصده الأمير محمد بن سلمان صاحب (نيوم) استثمار البيئة وتوظيفها لعصر جديد لحياة جديدة.
أما المجتمع السعودي الذي طور مستوطناته القديمة، وحدث أنماط مدنه وأسلوب حياته سيشهد في تبوك أذا وفق الله وجاءت كما رسم وخطط لها نمط جديد من الاستيطان والتوطين في السعودية، يختلف عن النمط التاريخي للمدن السعودية.