د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
يُعد الوقف مفخرة من مفاخر الإسلام؛ إذ نشأ في ظل الحضارة الإسلامية منذ عهد النبوة نموًّا وتنوعًا واتساعًا، وعاشت الشعوب المستحقة حالة اطمئنان اقتصادي واستقرار اجتماعي في ظلاله.
الوقف من مؤسسات المجتمع المدني في الإسلام، وإن لم يتم تسميته بهذا الاسم. وقد اهتمت الدولة بالقطاع غير الربحي، ومن أهداف رؤية المملكة 2030 رفع مساهمته إلى 5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي من أقل من 1 في المائة. وأنشأت الدولة نظام الهيئة العامة للأوقاف باعتبار أن الوقف مصدر مهم من المصادر الاقتصادية قديمًا وحديثًا، وتعتبره عملاقًا نائمًا، لا بد من إيقاظه وتنميته.
يقدر حجم الوقف في السعودية بنحو 500 مليار ريال، ولكن عوائده منخفضة جدًّا، لا تتجاوز 5 في المائة بل البعض منها لا يتجاوز 1 في المائة من حجم أصول تلك الأوقاف؛ بسبب تهالك ثلاثة أرباع الأوقاف في المملكة، وعدم تنميتها وصيانتها، وخصوصًا أن نحو 55 في المائة أراض لا تدر أرباحًا، ومجمدة بسبب غياب ناظرين اقتصاديين، أو لا تخضع لمؤسسة اقتصادية قادرة على إدارتها، في الوقت الذي تزيد فيه عوائد الأوقاف في أمريكا على 20 في المائة، وأكبر أوقاف موجودة في الجامعات الأمريكية.
فيما الدولة تتبنى الضمان اجتماعي للمستحقين، وتضع له ميزانية، ارتفعت من 3 مليارات ريال عام 1426 إلى 27 مليار ريال عام 2016، وتستفيد منه 139 ألف أسرة شهريًّا، ووصل عدد المستفيدين إلى نحو 888 ألفًا من إعانات معاشات الضمان الاجتماعي.
يجب أن يكون الهدف الأساس من الضمان الاجتماعي تقليص تلك الأعداد بعد تأهيلهم، وتمكين القادر منهم على العمل. ففي الولايات المتحدة تعافى نمو الوظائف مع انخفاض طلبات إعانة البطالة الأمريكية لأدنى مستوى في 44 عامًا؛ ما يعضد من قوة الاقتصاد المحلي.
ولو رجعنا إلى فواتير الكهرباء في السعودية فإننا نجد أن 59 في المائة من فواتير الكهرباء هي أقل من مائة ريال؛ ما يعني أن أكثر من نصف المجتمع فقراء، سواء كانوا سعوديين أو مقيمين أو وافدين؛ ما يترتب على الدولة أعباء ضخمة، فيما الوقف لم يقم بواجباته التي خُصص لها بسبب تهالكه وضَعف المشرفين عليه، ومعاناته من النزاعات بين الناظرين التي أشغلت المحاكم.
هناك عمل مؤسسي قادته وزارة الإسكان في تفعيل الإسكان التعاوني إلى جانب الإسكان الميسر، ووقَّعت اتفاقيات مع جمعيات تعاونية على بناء 39 ألف وحدة سكنية، ليست فقط مخصصة لفئات مستفيدي الضمان الاجتماعي، بل حتى فئات الدخل المحدود. إلى جانب أن إجمالي عدد المنتجات السكنية والتمويلية التي أطلقتها الوزارة منذ فبراير 2017 نحو 184506 منتجات، فيما العدد المستهدف لهذا العام 280 ألف منتج سكني وتمويلي.
الإسكان التنموي يأتي كاستشعار من وزارة الإسكان نحو جميع شرائح المجتمع، بمن فيهم المستفيدون من الضمان الاجتماعي؛ فتتكامل وزارة الإسكان مع القطاع غير الربحي، وتمكينه وتأهيله لقيادة القطاع الوقفي غير الربحي، ولكن بطريقة اقتصادية لتنمية الوقف.
لذلك اتجهت وزارة الإسكان لإنشاء صندوق وقفي للإسكان، وخصوصًا أن الوقف يمتلك 55 في المائة من الأوقاف أراضي بيضاء، يمكن تنميتها بما لا يتعارض مع شرط الواقفين، وخصوصًا أن وزارة الإسكان تتولى حوكمة هذا الصندوق، بل يجب أن يطول جميع الأوقاف من أجل حشد جميع الموارد عبر لجنة الأوقاف من أجل ليس فقط استدامة هذا القطاع بل من أجل تنميته، وأن يتحول إلى مورد رئيسي لمعالجة مشكلة الفقر، بل القضاء عليه، ونقلهم إلى فئات متوسطة الدخل.
يرتبط الوقف ارتباطًا وثيقًا بتنمية رأس المال الاجتماعي؛ فهو عملية تنموية، يتضمن بناء الثروة الإنتاجية من خلال عمليات استثمار حاضرة، تنظر بعين الإحسان للأجيال؛ إذ ساهم الوقف في تنمية الحضارة الإسلامية وانتشارها ومساهمتها الفاعلة في عملية التنمية الاجتماعية من أجل تحقيق التكافل الاجتماعي والترابط الأسري ومساعدة الفقراء والمحتاجين ورعاية الأرامل وإعانة المكفولين وتزويج الشباب غير القادر على الزواج ورعاية المسجونين؛ إذ يعتبر الوقف أحد الروافد التنموية المهمة التي يجب عدم إغفالها.
** **
- أستاذ بجامعة أم القرى بمكة