تركي بن رشود الشثري
القيادة ممارسة حياتية يتشارك فيها جميع الأحياء بما فيهم الناس، فبلا قيادة تتحول الحياة إلى فوضى وتتحول القرارات إلى كرة بين مضارب شتى تتقاذفها، فينفرط عقد الاجتماع ولا ينتفع حي بحي. وليس المقال للحديث عن صفات القائد أو مهارات القيادة بقدر ما هي إشارات ووضع للإصبع على بعض مواطن الاحتكاك والتي من شأنها أن تظهرك في مظهر القائد الفاشل، ولست كذلك وإنما كان ينبغي عليك أن تعرف ما يلي:
وأنت تخالط الناس قد تلحظ تقدماً في أدائهم أو تراجعاً، وهذا وارد وطبيعي وليس حكماً بالفشل, فإن كنت في موضع القيادة لا بد من أن تتصرف حيال ذلك، فالبعض يفضل تأجيل النقد أو النصيحة أو التوجيه أو سمه ما شئت بحسب موقعك، وهذا يفاقم الأمور ويضطر معه القائد أو الأب أو الزوج للصراخ والانفجار يوماً ما، ويضطر معه الملوم لسلوك كافة السبل الدفاعية وحمل الأمر على المحامل الشخصية, والبعض الآخر يداهم الناس بمشاعره وآرائه بشكل فج وغير منتظر متعللاً بأنه صريح أو لا يجامل ولا يدري أن شطراً من هذا يعتبر من قبيل الوقاحة أو انتهاك الخصوصية أو المجال الحيوي للآخرين وخصوصاً في عصرنا الذي اشتدت فيه حساسية الناس وأصبحوا يقدرون الخصوصية والذاتية ويتوقعون الاهتمام واللين من كل من يمر بهم. والحل في هذا هو تنظيم التشجيع والتوجيه والنقد والنصيحة والتوقيت المناسب، لكل ذلك مع الصدق الداخلي والإخلاص والعناية الأكيدة بأوضاع الآخرين، فأنت لست رامياً لغير ما هدف ولكنك تصوب ناحية أهداف عدة منها حبك لأخيك ما تحب لنفسك وابتهاجك بنجاح أخيك لأنه يعزز نجاحك وعنايتك بالمتجمع، فأنت تريده وسطاً صحياً ومتفاعلاً ويديره مجموعة من الناجحين صغاراً وكباراً، وبهذا تكتمل عقود الإيجابية وتنتفع بكل ما تسديه للناس من نصيحة أو غيرها، وفي القيادة تأكد من أنك كما يقال تدير الناس لا تدير سلوكهم الخاطئ الأخير فقط, فنظرتك أوسع من تكبير العدسة على الخطايا وجعلها المبتدأ والمنتهى. واحرص تماماً على الوضوح وعدم جعل الأمور خاضعة للتخمين دائماً, حدد ما تريد من الناس وأفصح عنه بجلاء وضع له زمناً معلوماً مع تحديد الأدوار والتوافق بين الشخص ودوره المناط به، ونبه الفريق أنك ستعلن النتيجة لعمل كل أحد في حينها مع استعراض نقاط التقييم ومعاييره، فمن أحسن أخبره بالتحديد في ماذا أحسن، ومن قصَّر حدد له مكمن التقصير مع التأكيد أن له محاسن سابقة والمنتظر منه التجاوز وإعانته عليه وبث روح التشجيع والإنصات والاحترام بين جميع الأعضاء.
يقول كيسي ستينجل وهو مدير فني في البيسبول (من السهل أن تجد لاعبين جيدين, ولكن حملهم على اللعب كفريق قصة أخرى)، يقول هذا بواقع معاناة ومعالجة لأحوال الناس الذين احتك بهم وتعامل مع طبائعهم المختلفة والمتنافرة في بعض الأحيان, يصنف ديب برايت أعضاء الفريق إلى فئات: الملتزمين، الصامتين، المتشككين، المخربين الهادئين الخطرين.
فالملتزمون هم الصفوة يلتزمون بالمشروع وينفذونه بروح الفريق المنفتحة لا المشخصنة، وأما الصامتون فهم أقل حماساً وإن كانوا يأتون بما أسند إليهم بلا مزيد إبداع. وينبغي على القائد الرشيد أن لا يحاول أن ينقل الصامت لفئة الملتزم فإنه يعكر عليه صمته وعمله ولا يوجد منه مبدعاً. وأما المتشككون فهم أقل من الفئتين السابقتين ولهم حسابات أخرى، فمخاوفهم كثيرة وتساؤلاتهم لا تنتهي وتدفع بالقائد لشد شعره، وهم أيضاً يدخلون في نوايا القائد وبقية الأعضاء، والتعامل معهم ينبغي فيه التوسط بين إعطائهم التطمينات اللازمة من مثل أن هذه الأوامر ليست للتسلط ولكنها ضرورة العمل، لكن لا ينبغي أن تضيع الأوقات في مثل هذه التطمينات فهناك أوامر تقتضي الفورية وإن لم تقتض التكرار! نعم هم كثيراً ما يعطلون المشروع ويأخرون جني ثماره ويفقدون الفريق حماسه واندفاعه الأول، ولكن فيهم ميزة ألا وهي أنهم قد ينبهون الفريق ككل إلى حفرة حقيقية لا متوهمة كاد الفريق برمته أن يسقط فيها، وعليه فلا ينبغي الاستهانة بجميع مخاوفهم وشكوكهم.
وأما رابعة الأثافي - إن صحت التسمية - فهي فئة المخربين الهادئين الخطرين وهم الذين يقولون في الاجتماع إنهم موافقون، فإذا انفض الأعضاء عن الاجتماع بدؤوا في السخرية مما قيل والحديث بشكل سلبي عن القائد أو المقرر أو بعض أعضاء الفريق، فهؤلاء هم العدو فاحذرهم إما بفصلهم من الفريق أو نقلهم لمكان ينجزون فيه أعمالهم بلا تخريب، وعود على المتشككين إن يتم التعامل المناسب معهم ففرصة انتقالهم لخانة المخربين كبيرة.
وقد تحتك كقائد بمن لديه عقدة السلطة فلا تظن أنها بنت الليلة وإنما هي عقدة قديمة، فالأبناء ينظرون إلى الأب أو الأم والغالب أنها تكون في الأب أنه رمز السلطة والجبروت، فإذا أساء الأب استخدام هذه السلطة انحفر في ذهن الابن كراهية السلطة ومحاولة التمرد العنيف أو الناعم عليها، فهذا العضو في الفريق يضع العصى في عجلة تقدم الفريق، وذلك من خلال عدم انصياعه للأوامر والتي هي من مقتضيات القيادة وسواء كنت تتخذ القرار أم تصنعه «بمشاورة الفريق»، فهو سيرفض هذه القرار لأنه يخاف تكرار المأساة، وهي التسلط عليه، مع أنك كقائد بريء ولكن المشكل يكمن فيه، فخير ما تقدمه لمثل هذا إعطاؤه إجازة مفتوحة للعلاج النفسي كي يجدر به فيما بعد أن يكون عضواً في فريق.