فيصل أكرم
تحدثتُ في مقالة السبت 3 يونيو 2017 حول أزمة الإنتاج الفني خصوصاً والإبداعي عموماً، وكان محور الحديث أساساً عنوانه (النصّ والإنتاج) وهو عنوان مسرحية لأخي وصديقي الأديب سليمان الحماد (رحمة الله عليه) وكيف أنه تناول كل ما يدور بهذا الشأن في الوقت الراهن قبل أن يفكر أحدٌ بإمكانية انحدار الحال إليه، أي في زمان العصر الذهبي الذي نترحم عليه كلما ابتعد بنا زماننا عنه.
تذكرتُ تلك المقالة حين تفضّل بزيارتي، قبل أيام في منزلي بمصر، السيناريست الصديق هشام أبو سعدة وبصحبته الروائي الذي أصبح صديقي أيضاً خيري حداد.. وكانا في حالة من الحزن وتلقي العزاء في وفاة الفنان المخرج السينمائي محمد راضي (رحمه الله) وكان الحزن مزدوجاً.. فحزنٌ كبيرٌ عامٌ لرحيل قامة سينمائية أضافت إلى الفن السينمائيّ أعمالاً خالدة، وحزنٌ كبيرٌ عامٌ أيضاً لإيقاف مشروع إخراج فيلم كان الراحل محمد راضي قد بدأ في التحضير له، وهو عن رواية للأديب خيري عالجها درامياً وأنجز لها السيناريو والحوار المبدع هشام.
قلتُ في المقالة السابقة، وكنت أتذكّر مسرحية الأديب الراحل سليمان (النصّ والإنتاج) التي نُشرت في مطبوعات دورية ومُثلت على مسرح النادي الأدبي بالرياض قبل خمسة وثلاثين عاماً (1982م 1402هـ): أتذكّرها الآن وأنا مقيمٌ في القاهرة أقابل أحياناً بعض الأصدقاء من كتّاب النصوص السينمائية (السيناريوهات) وأسمع منهم عن الكارثة التي لم تظهر بوضوح إلا في العقدين الأخيرين من الزمان.. كارثة (النصّ والإنتاج).. كارثة أن كاتب النصّ أصبح متسوّلاً عند شركات الإنتاج العملاقة، فلم يعد ثمة أفراد يمتهنون (الإنتاج) بعدما ظهرت الشركات الكبرى التي استولت على كل الحصص من مساحات الشاشات، وروّضت كتّاباً يقدمون لها ما يتوافق مع غاياتها – سياسية أو تجارية – في غياب تام للقيم الأسمى.
أتأمّل الآن خبراً كتبته الصحافية نشوى بركات في إحدى المجلات الفنية بمصر قبل شهرين: (وافقت رقابة المصنفات الفنية على سيناريو فيلم « ساقطة محترمة « المقتبس عن رواية الأديب خيري حداد «ساقطة محترمة» والذي كتب المعالجة السينمائية والسيناريو والحوار لها الكاتب هشام أبو سعدة والمخرج الكبير محمد راضي الذي يعكف الآن على اختيار أبطال الفيلم لبدء التصوير أوائل سبتمبر القادم. وقد صرح المخرج الكبير محمد راضي أن الفيلم يتناول الظروف التي تعيش فيها البلد على كل المستويات السياسية والاقتصادية، وكذلك الإرهاب الذي نعاني منه، بالإضافة إلى التطرق لرجال الأعمال ضمن المشهد العام؛ موضحًا أنه يتناول الشخصيات بشكل متشابك، وفى إطار متكامل دون الانحياز لطرف بل يعرض ما حدث لمصر في هذه الفترة الحساسة، فالفيلم عودة للسينما المجتمعية من جديد بما يتناسب مع هذه الفترة الصعبة للمجتمع المصري بشكل خاص والعربي بشكل عام. الفيلم من إنتاج المجموعة المتحدة (أفلام محمد راضي) وسيبدأ تصويره بمجرد عودته من أمريكا في زيارة خاصة لابنته هناك).
غير أن المخرج الكبير محمد راضي (رحمه الله) لم يعد، بل رحل عن الدنيا كلها عموماً.. ورحل كمخرج وكمنتج بخصوص السينما عامة وهذا الفيلم تحديداً.
وأقول الآن، وأنا أتأمّل مصير نصّ العمل السينمائي للكاتبيْن العزيزين بعد وفاة المخرج المنتج المرحوم: النصوص في أزمة حقيقية تتسع وتضيق مسمياتها.. نقول أزمة النص والإخراج، ونقول أزمة النص والنشر، ونقول أزمة النص والتوزيع، وغيرها من مضافات إلى مفردة أزمة كلها تتلخص في مفردة (الإنتاج) ولولا تمييز هذه المقالة عن السابقة المذكورة في مطلعها كنتُ عنونتها بعنوان مسرحية المرحوم سليمان الحماد (النص والإنتاج) أيضاً.