د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
المفعول هو الحدث، ولذلك يعرب (ذهابًا)، في قولنا: ذهب زيدٌ ذهابًا، مفعولًا مطلقًا، وليست كذلك غيره من المفعولات؛ لأنها ليست مفعولات هي نفسها، بل هي إما (مفعول به) أي مفعول به الفعل وهو الحدث، نحو: ضرب زيدٌ عمرًا، فعمرًا مفعول به الضرب، أو هي (مفعول له) أي مفعول له الفعل، نحو: بكي الطفل خوفًا، فالخوف فُعل له ومن أجله البكاء، أو (مفعول معه)، أي مفعول معه الفعل، نحو: سار زيدٌ والجبلَ، فالجبل فُعل معه السير، أو (مفعول فيه) أي مفعول فيه الفعل، وهو الزمان الذي يفعل فيه الفعل أو المكان الذي يفعل فيه الفعل، نحو: سافر زيدٌ صباحًا ثم عاد بعد أن سار ميلًا، والمشهور إذن أن المفعول فيه نوعان ظرف الزمان وظرف المكان؛ قال ابن الحاجب «المفعول فيه: هو ما فعل فيه فعل مذكور من زمان أو مكان، وشرط نصبه تقدير (في)»(1)؛ ولكن ثمة نوعًا ثالثًا من الظروف هو الحال، أي حال الفاعل التي يفعل فيها الفعل أو حال المفعول التي يفعل فيها الفعل، نحو: جاء زيدٌ مسرعًا ليستقبل والدته قادمةً.
قال ابن مالك عن الحال في خلاصته:
الحالُ وصفٌ فضلةٌ منتصبُ *** مفهم (في حالِ) كفردًا أذهبُ(2)
والفعل يكون في زمن أو في مكان أو في حال، وذكر ابن مالك أن سيبويه سمّى الحال مفعولًا فيه(3). قال سيبويه»(باب ما يَنتصب من الأسماء التي ليست بصفةٍ ولا مصادرَ لأنَّه حالٌ يَقع فيه الأمر فينتصب لأنه مفعول به)(4) وبعضُ العرب يقول: كلّمتُه فُوهُ إلى فِيَّ، كأنَّه يقول: كلّمتُه وفُوهُ إلى فِيَّ، أي كلّمتُه وهذه حالهُ. فالرفعُ على قوله كلّمتُه وهذه حالهُ، والنصبُ على قوله: كلّمتُه في هذه الحال، فانتَصب لأنه حال وقع فيه الفعل»(5). علة نصب الحال عند سيبويه إذن كونها مفعولًا فيه.
وأما المبرد فصرّح بعدّه مفعولًا فيه، قال «(هَذَا بَاب من الْمَفْعُول وَلَكنَّا عزلناه مِمَّا قبله لِأَنَّهُ مفعول فِيهِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه النَّحْوِيّون الْحَال)(6)، وجاء قوله «فَإِن لم ترد هَذَا وَأَرَدْت الْإِخْبَار عَن الْحَال الَّتِي وَقع فِيهَا مَجِيئه قلت جَاءَنِي زيدٌ رَاكِبًا أَو مَاشِيًا، فَجئْت بعده بنكرة لَا تكون نعتًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ معرفَة، وَذَلِكَ أَنَّك لم ترد جَاءَنِي زيد الْمَعْرُوف بالركوب وَالْمَشْي فَيكون تحلية بِمَا قد عرف وَإِنَّمَا أردْت مَجِيئه وَقع فِي هَذِه الْحَال، وكَذَلِكَ رَأَيْت عبد الله جَالِسًا ومررت بِعَبْد الله ضَاحِكًا خبرت أَن رؤيتك إِيَّاه ومرورك بِهِ وَقعا فِي هَذِه الْحَال مِنْهُ»(7)، وكذلك إن كانت الحال في جملة اسمية فهي مفعول فيه للفعل، قال المبرد «وَتقول زيد فِي الدَّار قَائِمًا، فتنصب (قَائِمًا) بِمَعْنى الْفِعْل الَّذِي وَقع فِي الدَّار؛ لِأَن الْمَعْنى: اسْتَقر عبد الله فِي الدَّار»(8).
وإنما نصبت الحال لأنها مفعول فيه وقع الفعل فيه، ولهذه العلة نصبت الظروف، قال المبرد «وَلذَلِك انتصبت الظروف، أَلا ترى أَنَّك تَقول: زيد خَلفَك وَزيد دُونَك، فتنصب الدونَ وَالْخلفَ بِفعل زيد، كَأَنَّك تَقول: اسْتَقر زيد خَلفَك وَثَبت دُونَك»(9).
الذي ننتهي إليه أن المفعول فيه أو الظروف ثلاثة، ظرف الزمان وظرف المكان وظرف الحال.
... ... ...
(1) ابن الحاجب، الكافية في علم النحو، تحقيق: صالح عبد العظيم الشاعر (ط1، مكتبة الآداب/ القاهرة، 2010م، ص23.
(2)انظر: ابن عقيل، ألفية ابن مالك، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد (ط20، دار التراث، دار مصر للطباعة، سعيد جودة السحار وشركاه/ القاهرة،1980م، 2: 243.
(3) ابن مالك، شرح التسهيل 2: 323.
(4) أي مفعول فيه، جاء في الحاشية (1) من كتاب سيبويه (1: 391) «هذا ما في ب. وفي الأصل وط: (مفعول فيه)».
(5) سيبويه، الكتاب، تحقيق: عبدالسلام محمد هارون( ط3، مكتبة الخانجي/ القاهرة، 1988م، 1: 391.
(6) المبرد، المقتضب، تحقيق: محمد عبدالخالق عضيمة (ط3، وزارة الأوقاف/ القاهرة، 1994م) 4: 166.
(7) المبرد، المقتضب، 4: 166.
(8) المبرد، المقتضب، 4: 166.
(9) المبرد، المقتضب، 4: 166.