د.عبدالله الغذامي
يميل البشر إلى التماهي مع آرائهم، وللرأي سيرة متصلة تشبه سيرة الدكتاتور بصيغة متشابهة ميلادًا وتناميًا ثم استحواذًا في النهاية، والمرء يجنح عادة لأن يكون له رأي في أي شأن من شؤون الحياة الخاص منها والعام، ويكفي أن يسمع خبرًا ليتولى ذهنه مباشرة تفسير الخبر أو رفضه أو التحمس له، وهذه استجابات أولية يتصنع عبرها رأي يرادف الخبر ويتفاعل معه، وسينمو الرأي بمجرد أن يتعرض لاحتكاك مع رأي آخر لشخص آخر، وسيتسابق الرأيان لأخذ الغلبة واحتكار الصوابية، وأخطر هذه الأنواع هو الرأي في أمر من أمور الدين أو أمور السياسة، حيث سيتحرك الرأي ليحصد التأييد له، وكلما زاد المؤيدون صاروا بمنزلة الاتباع والمريدين، وحينها سيتقوى الرأي ليصبح (مصلحة) أي مصلحة الأمة وسيأخذ قدسية دينية أو حصانة سياسية، وبعدها ينشأ عنه تيار أو حزب أو مذهب، وفي المقابل سوف يجري وصف الرأي الآخر المختلف بصفات سالبة قد تصل لحد الإقصاء بأعلى صيغة كالتكفير أو التخوين، وهما صيغتان لسحق المخالف، وعبر هذا تتكون التكتلات البشرية المتناحرة، وكلما بحثت عن تناحرات التاريخ ستجد خلفها رأيًا كان حياديًا واجتهاديًا في بداية أمره ثم نما عبر ملابسات وظروف يعين بعضها بعضًا حتى تتراكم وتصبح مثل الجبل الشامخ المتصلب الذي يستحيل تهشيمه إلا بقوة مماثلة لقوته في التكون والتكتل والصلابة، ولذا لا يحل التصلب المعنوي إلا ثورة معنوية مماثلة في قوتها، والتاريخ عادة يحول هذا إلى ثورات طاحنة يتصارع البشر بأجسادهم بدل عقولهم، وفي الأصل كانت المسألة رأيًا تنامى حتى صار جبلاً صلدًا لا يزحزحه إلا زلزال يتلاطم معه، وسيبدو التاريخ وكأنه سيرة دموية من الآراء المتحاربة، وكل دكتاتور إن هو إلا طفل وديع تمكن عفريت داخلي للتنامي في أعماقه حتى صارت كل كلمة يقولها بمنزلة القانون البشري الذي يجب الأخذ به، وتحويله من رأي إلى نظام حياة لكل البشر من حوله، وهنا لن يتسامح الرأي مع رأي آخر غيره، واختلاف الرأي سيفسد كل قضية للود ولغير الود وسيموت بشر وبشر لمجرد أن لهم رأيًا يخالف رأي سيد من نوع ما.