ترفضني المسافة، وأنا بين الوعي والاضطراب!
ما يبرر خوفي من أحاديث قد تموت في صدري قبل أن يحين موعد النطق، ونبذي المؤقت - في حالة ما قبل الانفجار - لذلك المثل القائل (ليس كل ما يُعلم يُقال). وفي هذا التوقيت تحديداً، الماثل بي أمام هامشية متضخمة، أشعر بحشد سري من الكلمات، وطوفان أكبر من حدود المحتمل يسكن حنجرتي، ويريد أن ألفظه، لأعبد طرقاتي بصراحة مطلقة!
أعرف حدوداً للبوح نحن من ابتكرناها، ربما هو هوسنا البشري باختراع العذابات الجديدة، والعودة إلى صمت الإنسان الأول، قبل أن يكون الحديث على هيئة (المرهم) للمسافات الخشنة، التي لا تكف عن التحرش بالعابرين، لامتصاص دمائهم الفائرة بالحنين الأسمر، وابتلاع ألسنتهم التي أنبتت حبيبات الاحتراق، من أثر الحديث الساخن المسكوت عنه.
هل قلت في البداية أنّ الأحاديث قد تموت في صدري؟
في الحقيقة أنّ الأحاديث لا تموت إطلاقاً، إنما تنمو وتكبر وتتوالد، يتناسخ البوح والرفض والاعتراف، ويحتشد في القلب والعقل ما تعجز شجاعتي عن افتضاض صرته، وهذا ما يجعل الخطر يحيط بصمتي، ويتربص بي بعد كل كتابة أردت بها البوح ثم لم تأتِ على ما أشاء وكيفما أشاء.
ذات يوم عبرتني فكرة، وهي أن أكتب كل ما أشاء، وأتركه بعيداً عن النشر، أتركه كنسخة أصلية عن المنشور المعدّل والمنقّح، لكن المثير في الأمر برمّته، أنّ الشجاعة عادت لتخون قلمي مجدداً حتى وأنا أكتب لنفسي ما لن يقرأه غيري، ومنذ ذلك اليوم الذي ضعفت فيه عن قول ما أريد والكتابة لم تعد تمثل لي فعل إفراغ كامل، وربما من محاسن الصدف أنني قرأت في اليوم ذاته تغريدة على (تويتر) تقول صاحبتها:
هل من كاتب شجاع، يكتب في روايته أنّ أي تشابه يوجد في هذه الرواية هو من محض الواقع لا الخيال؟! فسألت نفسي: هل نستطيع التخلي عن هذه الترويسة التي نبدأ بها كتاباتنا؟!
- عادل الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
@AaaAm26