لا شيء أصعب على النزيه الحر من ان يجر الى حرب بلا معنى نزيه، خصومه يحاربونه بالوكالة، حرب بلا هوية او شرعية او غاية، حرب بالانابة، حرب بلا شرف خصومة بلا مبدأ بلا راية.
يصبح الحر امام مفترقي نهايتين أليمتين، اما نصر بجراح موجعة، او هزيمة مرة يخسر فيها نفسه وحلمه وآماله.
في هذا النوع من الحروب يُستخدم الدهماء بعد شحنهم بكل صنوف الحقد والبغضاء ،ولان عقولهم صغيرة ،مفرغة من كل أشكال التعقل والحكمة ،فانهم يصبحون مجرد أدوات ونهايات طرفية لفعل عن بعد إجرامي غير اخلاقي ،المتمركزون بعيدا عن الاعين يجيدون توظيف هؤلاء وجعلهم أساسا لحراك ظاهره الشرف وباطنه الأذية بدافع الاذى والحسد والغيرة .
عصاميون امام الناس ،ميكارتيون عند من يرون فيه مشروعا مختلفا في تلك البيئات .
المجتمع بانواعه سواء كان اكاديميا او وظيفيا اوحرفيا ،وحتى المجتمع الكبير الذي يجمعنا كبشر ،تنخر أوصاله هذا النوع من الحروب ،والوشايات والمكائد التي تستأصل المبدعين وتعيدهم سنوات الى الوراء حلما وطموحا ومنجزا ،والمجتمع بكل اطيافه يعود منتكسا الى الوراء ،الى مربعات قديمة من الوعي المتخلف ،الذي ساد اعتقاد جازم عند نخبه انه قد انعتق من كل هذه المعوقات والإشكالات الحياتية التي تسببها الصراعات الدامية بين الحق والضلال.
الحروب بالوكالة يسعرها مدير منعدم الضمير، وموظف إنتاجيته صفرية طوال العام ،ويحمل رايتها القذرة حمقى ومغفلون ،تجمعهم الطبلة وتفرقهم العصا.
في مجتمعاتنا الادارية تنمو الشلل على حساب روح الفريق الواحد ،ويصبح الولاء لها أساسا للبقاء والتنفيذ وصيرورة الكسب ،مختلفون في الفكر والمبادئ والتأهيل يجمعهم ،كسر النظام ،واحباط الناجحين وتزييف الحقائق.
يتغير رأس الهرم دائما ،اما هم فيظلون واقفين على حصونهم متمتعين ومنعمين بكل المزايا ،مقدمين الولاء للشلة على حساب الولاء لروح الفريق الواحد ومفاهيم التعاون والانضباط التي ينبغي ان تسود المنظومات الادارية المختلفة.
هذا النوع من الشلل يسعر حروبا ،ويؤذي ناجحين ،ويرعى تجاوزات ويهيمن على المشهد كله ،بفضل حالة الوعي التي تسود أعضاءه بضرورة الاتحاد وعدم الفرقة ،لاستمرار ما هم فيه من نعيم ومزايا.
شيء مؤسف ان جل المنظومات الادارية تنزلق الى هذا المستوى التعيس من التخلف ،وتصبح اسيرة لحالات من المفاهيم المنغلقة على ذاتها ،المغلقة كل أسباب التطور والانعتاق من أشكال التعصب للذات والمصلحة الشخصية.
هو واقع لا يجب أن نخجل منه ،بل يجب ان نعيد النظر في اسبابه ،وطريقة تشكله وتغلغله ،وهذه مسؤولية الجميع تشخيصا ورصدا وعلاجا.
رحم الله القصيبي الذي استشعر خطورة هذا النوع من الخلل وهي الشللية، عندما قال في كتابه الشهير ،حياة في الادارة :-(لا شيء يقتل الكفاءة الإدارية مثل تحول أصحاب الشلة إلى زملاء عمل».
ترى لو رأى حال واقعنا الاداري اليوم ،ما عساه ان يقول؟!.
** **
- علي المطوع