كيف يمكن للحوار أن يكون صامتًا ؟!
الصمت هنا ليس باعتباره الكامل بل باعتباره الأصل؛ بمعنى أن يكون الحوار معتمدًا على الاستماع أكثر من اعتماده على الحديث، وربما يكون طه عبدالرحمن عميقا جدا حينما يرى أن إشكالية المثقف العربي أنه يتكلم أكثر مما يسمع.
الحوار الذي يعتمد على الصمت هو حوار يهتم بالتعلم والتفكير والمراجعة وعدم الوثوقية؛ بينما الحوار الذي يعتمد على الحديث هو الذي يعتمد على التعليم والوثوقية والرسالية أو النبوءة؛ ولنقل نبوءة المثقف (المثقف النبي) الذي يملك التنوير والخلاص المقدس للبشرية؛ وما على المحاوِر إلا الاستماع لهذا الخلاص.
إننا حينما نهتم بالاستماع فنحن نهتم بالعلم ذاته وبالتفلسف ذاته وبالتفكير باعتبارها الصفات الأساس للإنسان؛ حتى وإن كان هذا الإنسان فائقًا كما عند (نيتشه)، ولذا فإن الحوار الذي هدفه التعليم هو أقرب للمحاضرة منه إلى المحاورة؛ فنحن حينما نتحاور فإننا لا نريد أن نعلم بعضنا بقدر ما نريد أن نفكر فيما فكرنا به سابقًا أو فيما لم نفكر به إلا من خلال هذا الحوار؛ فالتفكير هو الأساس للمحاورة؛ فنحن نتحاور لنفكر.
والصمت هنا ليس بمعناه الأخلاقي؛ الذي هو مرادفًا للوقار والحكمة بل الصمت الذي يتحدث من داخله؛ فالمحاور حينما يصمت ويفكر هو يحدث ذاته أولا؛ فالحوار مع الذات قبل الحوار مع الآخر، إننا نقلّب أفكارنا في دواخلنا حتى تنضج أو حتى تقترب من النضج؛ والنضج هنا ليس الكمال بل هو المقارنة والارتهان بالثقافة التي نفكر من خلالها.
ولعل المثقف حينما يحاور فهو يعرض تفكيره؛ فهل من الممكن أن يعرض المثقف تفكيرا رسوليا؟! وهل يمكن للمثقف أن يحول ثقافته إلى سلعة معروضة للبيع لدى الجمهور يستقطب من خلالها العملاء؟! وهل بالإمكان أن يكون المثقف تعدديا من خلال طرحه حتى وإن ادعى الخلاص بالليبرالية أو بالسلفية أو بأي أيديولوجيا بشرية؟! وهل اطلع المثقف على كل ما أنتجه البشر من علوم وفلسفة حتى يتحول من كونه محاوراً مفكرًا في حواره إلى معلمًا يعلم من خلال حواره؟!
وربما يكون الفكر البشري في مرحلتنا الآنية أقرب ما يكون إلى عدم المعرفة منه إلى المعرفة؛ وبالخصوص في مرحلة خطاب (الموت)، موت النقد، موت الفلسفة، موت الأيديولوجيا... ولذا فإن حوارنا ينبغي أن يكون صامتًا يتمعن في داخل الأفكار وليس في صوت الأفكار الظاهر أثره على الجمهور؛ وحينها يمكن للمثقف أن يكون محاورًا صامتًا!
** **
- صالح بن سالم
@_ssaleh_