أنا أخاف!
نعم أخاف من الأمور التافهة، والمواقف التافهة، وأشياء كثيرة, كثيرة.. كلها تافهة
لا تخيفني الصعاب التي تعترضني، ولا الفخاخ التي أقع فيها نتيجة عمل قمت به، لا
تلك أمور أتعامل معها على أنها اختبارات وتحديات بشرية.
ما يخيفني هو المخطط له بكيد الشيطان الضعيف، السرقات المباحة
أو تلك الاقتحامات السافرة لحدودي الخفية.
لا أصلح للمباغتة أبدًا
لا أصلح للانسكابات التي تأتي دفعة واحدة.
عندما يتعلق الأمر بمشاعري، ووقتي أخاف جدًا
ليس خوف الجبن لا, ولا خوف الرعب
بل ربما ليس خوفًا!؛ هو حالة تشبه الخوف لكنها ليست هو تمامًا
العلماء يُعرّفون الخوف بأنه: «الشعور الناجم عن الخطر أو التهديد, يُفضي إلى تغيير السلوك فينتج عنه الهرب، والاختباء، والتجمد»
أنا أهرب، وأختبئ، وأتجمد عندما تُهَدد عزلتي التي ترتدي ثوب التواصل الشفيف.
قد أكون قريبة للعموم بالمسافة ذاتها؛ لكنني مغلفة بخيوط رفيعة تأخذ من الماء لونه؛
خيوط الحصانة والمحافظة على الاستقلال لا التعالي
لا أصلح للشللية..
لا أصلح لتلقي الأوامر التي لا تروق لخط سيري المستقل.
لا أصلح للحديث الثنائي، فأنا أزعم بأنني صالحة للحديث مع الجماعة بشكل واضح.
الحديث مع الجماعة لا يشي بالأسرار، ولا يحملني مسؤولية تباريح الآخرين الذين ربما سيغضبون مني إذا لم أعرج عليها كل مرة.
أخاف من الذين يخبرونني بأسرارهم في لحظات الصفاء, ويرتابون مني بعدها رغم حفاظي عليها
يُخيّل إليّ أنه يمكنني أن أجيد الجري ومعي لافتة قد خُطّ عليها: لا تهدوني أسراركم وتنكصون! كونوا أصدقاء بلا أسرار.
أخاف من لصوص الصباح خاصة، ولصوص الوقت عامة.
أخاف من الذين يحبونني فجأة وبشكل مبالغ فيه؛ لأنني أعلم أنهم أول الراحلين!
أحب أن أعطي مشاعري وقتها حتى تستوعب كل هذا الاندلاق العنيف.
المشاعر المتسرعة تربكني.
لا أعرف كيف أتعامل معها لذا أهرب، وأختبئ، وأتجمد.
ثرثرات الصباح تسرق مني يومي!
لا أحب صرف (بنزين) الكلام على أمور تافهة.
أذهب إلى عملي باكرًا لأحظى بجلسة تأمل, أو قراءة كتاب قبل بدء العمل الرسمي، وأتفاجأ بأنني بدأت أستقبل سيل الأعمال قبل أوان العمل.
وقتي منظم في معظمه حسب إطار الزمن الذي رسمته مع نفسي، لكنني أتفاجأ بأنني من يحرك هذا الإطار؛ فأحيانًا أكون عبر الزمن, وأحيانًا أكون في الزمن.
في الأولى أنجز أعمالي كفراشة، وفي الثانية ترهقني الحكمة الناتجة عن تأمل أدق التفاصيل التي تبدأ بعدها معركة تقييم الذات المضنية.
وأنا أعبر الزمن بسرعة الضوء أتعامل مع قاعدتي (التالي) أما إذا غلفني الزمن بظرفيته لا أصلح إلا أن أكون فيلسوفة ترهقها الحياة.
بين المرأة التي تحب بيتها وتؤدي واجباتها الاجتماعية، والكاتبة الحالمة المتأملة، والموظفة المنجزة، والصديقة الوفية مسافة مرهقة تشبه التدرب على السير بقدمين حافيتين فوق خيط معلق بعد السماء السابعة, وقبل الثامنة بقليل.
** **
- د. زكيّة بنت محمّد العتيبي