سمر المقرن
تتفاوت مراحل التغيير الاجتماعي من مجتمع لآخر بحسب المستحدثات الفكرية والثقافية والتطورات التي تنهض به فيحدث التغير كنتيجة طبيعية لهذه المتغيرات. ونحن كمجتمع عشنا حالة من التغيرات وكانت بطيئة بسبب المعوقات الفكرية والثقافية التي استهدفت مجتمعنا، وأعاقت المراحل الطبيعية التي كان ينبغي أن يعبرها في التغيير. لكننا اليوم نسابق الزمن، ونعبر المراحل التي تعطلت بل ونتجاوزها بمراحل كبيرة، من خلال المشاريع الفكرية «الاقتصادية» التي تعيشها السعودية اليوم. فمشروع أكبر من أن نتصوره أو نتخيله مثل مشروع «نيوم» الذي أعلن عنه أمير النهضة محمد بن سلمان، هو مشروع متكامل الأبعاد، وبعيداً عن ثماره الاقتصادية التي هي بعيدة عن تخصصي، فإن أبعاده الفكرية والثقافية تمنحنا صورة للحاضر والمستقبل البعيد عن الأسباب التي أدت إلى تعثّر التغيير الاجتماعي، ولأنّ صاحب النظرة الثاقبة وضع يده على تلك الأسباب فمدها ليقتلعها من جذورها، ولا أشك مطلقاً أن تلك الأسباب كانت استهدافاً مباشراً للمملكة حتى نتأخر عن ركب التغيرات الاجتماعية والمحطات التي كان ينبغي أن نصل إليها في وقت أسرع. صراحة أمير النهضة في كلامه عن العائق الذي عطّل من عجلة التنمية، وحديثه المباشر الذي لا يقبل المواربة ولا التأويل، هو إيمان مطلق بأننا في مرحلة ثقافية وفكرية جديدة أغلقنا فيها الستار على تلك الحقبة الموجعة التي سطّحت المجتمع وأثقلت أفكاره بالسلبيات التي دخلت عليه من بوابة الدين، وهي كما أسلفت لم تكن سوى مؤامرة ثقيلة التأثير.
بعيداً عن هذا كلّه، فكل ذلك أصبح من سوالف الماضي ولم يَعُد له وجود في السعودية الجديدة، التي تحتاج إلى الإنسان الواعي بأهمية هذه النقلة الكبيرة ليس على مستوى الاقتصاد فحسب، بل على كافة المستويات التي تحتاج إلى التعايش مع المرحلة بأن يقف كل سعودي مع نفسه ومن يجد في داخله بقايا من أفكار حقبة مرحلة (الغفوة) أن ينفضها، حتى لا يشعر بالغربة في مجتمع لن يتقبّل أفكاره كما كان في السابق!
الثقافة السعودية الجديدة ليست ترفاً، بل هي حاجة للحاق بالعالم المتقدم، والحقيقة أنّ أي تحول اقتصادي لا يمكن حدوثه بلا انتقال ثقافي يواكب هذه التحولات ويتعايش معها بمنهج صحيح، لا سيما ونحن لا نُمارس الانتقال فقط، بل إننا نمارس طمس التراكمات الفكرية السلبية التي أثرت على الفكر المجتمعي.
اليوم نحن لسنا فرحين فقط بمشروع «نيوم» بل نحن في فرحة دائمة، لأنّ أمير النهضة عوّدنا على المفاجآت السعيدة، وعلى مشاركتنا في كل حدث وقرار وتغيير يجلب الأشياء الجميلة لمستقبل ونهضة هذا البلد.