محمد آل الشيخ
كان المتطرفون يخدعون البسطاء والسذج بالقول: إن العودة إلى ثقافة العصور الغابرة، ومحاكاة تاريخنا التليد، يوم كنا أسياد العالم، سيعيد الإنسان المسلم إلى التميز وزمن العز من جديد، وإحياء ما اندثر من قوة الأمة، وسطوتها ومنعتها، دون أن يقدموا لنا رؤية عملية واضحة ومفصلة لما يطرحون من آمال، سوى لغة خطابية مجلجلة فارغة، إذا ما تمعنت فيها، لاتجد في فحواها إلا التطرف، والتشدد، وأساطير وخرافات ومقولات مرسلة، لا علاقة لها بالحضارة، ناهيك عن افتقارها للواقعية والعقلانية والموضوعية.
استطاع رموز هذه الصحوة المتخلفة القميئة بالفعل أن يستخدموا الخطابة الديماغوجية، التي تسحر عواطف العوام، وتجذبهم نحو رموزهم ومقولاتهم، وفي المقابل كان كل من تساءل، فضلا عمّن انتقد عدم واقعية مايقولون، وأن خطابهم خطاب حالم، يلامس العواطف، ويُهمش العقول، يُحرضون عليه العوام، وأغيلمتهم الجهلة، فيغتالون سمعته بخسة وأقوال كاذبة، وتقولات مختلقة، فخاف كثير من المثقفين وأرباب الفكر والقلم، من سطوتهم ونفوذهم، وكنا كل ما طالبنا بالتصدي لهم ولخطابهم المتطرف، والسير في ركاب التنمية والتحضر، يصفوننا بالتغريبيين، وأحيانا بالمنحلين الفجرة، وفي أحايين أخرى بالزنادق الكفار، ويطالبون بجز رؤوسنا كما يفعل الدواعش بضحاياهم في دولتهم المفبركة، انتصارا - كما يقولون - لشريعة الإسلام، الذي يزعمون أننا نستهدفها. وقد تبارى أكابر الأكاديميين الانتهازيين، مرورا ببعض القراء المتفيقهين، والقصاص المُفبركين، وانتهاء بالعوام الجهال، على الدعوة لتخليص الإسلام منا ومن أمثالنا، لمجرد أننا طلبنا حوارهم حوارا علميا.
وكنا -بصراحة- في غاية التشاؤم، ولم يكن يدري في بال أشد المتفائلين منا، أن بالإمكان سحقهم في أشهر معدودات.
وفجأة جاء محمد بن سلمان فوجد هذا الشاب القائد الفذ، الذي يعرف كيف يتكلم، وكيف يصل إلى الناس، وكيف يُقنع، وصاحب الكاريزما الآسرة، أن التنمية تتطلب سحق التطرف والمتطرفين وتجريم حركاتهم بحزم لا يرحم، ورمح سمهري لا يعرف إلا المضي إلى الأمام.
لقد نزل الأمير محمد بن سلمان على بلادنا رحمة حقيقية، فنقلنا من ظلام الصحوة الكالح إلى أنوار الحضارة والتقدم، ممتشق قلب شجاع، وثبات العظماء، رجل إذا قال فعل، وإذا اقتنع بأن الفكرة ذات مردود تنموي فإنه يسلك لتحقيقها كل السبل، سهلها وصعابها، لا يخاف ولا يحسب حسابا لأحد، ولا يهادن ولا يداهن، ولأنه حازم حاسم، خفتت كل تلك الأصوات الصحوية المناوئة، التي اعتادت على المزايدة، وتقمص ثياب المحتسبين، رياء وكذبا وزورا، إما لخدمة الخارج مثل (قطر) وأميرها الذي استهان بهيبة المملكة، وحاول إسقاطها من خلال هؤلاء المرتزقة الملتحين المنافقين، أو أصحاب الطموحات السياسية، الذين حاولوا التحريض على المملكة ممتطين الحلال والحرام، وهم أبعد ما يكونون عما يدعون إليه في حياتهم الخاصة، غير أنها الانتهازية، والميكافلية، عندما تتمظهر بمظاهر الصالحين.
ولا أعتقد أن شابا من الأسرة المالكة الكريمة، امتلك هذه الشخصية؛ بهذه المميزات الاستثنائية، وأهمها سعة الأفق، والقدرة على استشراف المستقبل، إضافة - طبعا -إلى الشجاعة والإقدام، بعد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - مثل الأمير محمد بن سلمان. وأنا لا أقولها جزافا دونما إثباتات وإنما ممارساته، وعمله الدؤوب الذي لايهدأ، ومبادراته التنموية، تثبت بجلاء ما أقول.
وبهذه المناسبة دعوني أقبل جبين الملك سلمان على أن أختار لولاية العهد، هذا الشاب الاستثنائي الطموح الذي هو أشبه الناس بجده الملك عبدالعزيز، لنطمئن على مستقبل بلادنا، وأمنها، واستقرارها، وكذلك على مستقبل أبنائنا وأحفادنا، وأحفاد أحفادنا.
إلى اللقاء.